توم هاردي يقود Locke لبر الأمان
أقلية من الممثلين تملك ما يكفي من الموهبة والحضور، لتحتل شاشة فيلم وحدها بالساعات دون وجود آخرين معها نهائيا. أشهر النماذج لذلك فيلم Cast Away 2000 للنجم توم هانكس والمخرج روبرت زيميكس، و127 Hours للنجم جيمس فرانكو والمخرج داني بويل.
عام 2013 شهد عرض فيلمين شهيرين آخرين. الأول Gravity للمخرج ألفونسو كوارون والنجمة ساندرا بولوك، الذي احتل شباك التذاكر وفاز بحصة الأسد في الأوسكار، والثاني All Is Lost للمخرج جى. سى. شاندور والنجم روبرت ريدفورد.
في كل الأفلام السابقة، يختص الفيلم أغلب وقته- إن لم يكن كله بالفعل- بممثل واحد، لكن في المقابل تم شحن القصة بعناصر إثارة أخرى. الناجي الوحيد من حادث طائرة يكافح للبقاء على قيد الحياة داخل جزيرة في البحر _ متسلق جبال محبوس داخل كهف في انتظار الموت بعد سقوط حجر ضخم على يده _ رائدة فضاء تائهة بعد انفجار مكوكها وتكافح من أجل العودة للأرض _ رجل عجوز وحيد داخل يخت يغرق ويكافح للبقاء على قيد الحياة.
ما يجعل التحدي في Locke 2013 للسيناريست والمخرج الإنجليزي ستيفن نايت، والنجم الشاب توم هاردي أكثر صعوبة هو عدم ارتباطه بأي تجارب حياتية استثنائية تناهز ما سبق، وتصلح كخامة لتقديم مشاهد إثارة وإبهار بصري. على مدار 80 دقيقة نشاهد طوال الوقت ممثلا واحدا فقط على الشاشة يقوم بعملين من أكثر الأعمال الروتينية في حياتنا.. قيادة سيارة وإجراء مكالمات.
قد يتركك الإعلان بانطباع ما أن الفيلم بوليسي أو Thriller، وهذا غير حقيقي. القصة ببساطة عن شخص يضطر لمغادرة موقع عمله بسرعة بعد سماع أنباء في الهاتف، تجبره على التوجه فورا من برمنجهام إلى لندن. نعرف منذ البداية أيضا أنه رجل مستقر ماديا، بفضل امتلاكه سيارة B.M.W
الباقي كله عن الشخص.. عن ماضيه.. عن معضلته.. عن علاقاته بالآخرين.. عن مسؤولياته.. عن قراراته الصعبة.. ستعرفه خلال رحلة القيادة الليلية الطويلة التي يتبادل فيها أكثر من 30 مكالمة مع آخرين، نسمع فيها فقط باستمرار صوت الطرف الآخر على المكالمة، بينما تختص الشاشة طوال الوقت بالبطل وحده ورد فعله.
الإطار العام يوحي بفكرة أقرب للمسرح منها للسينما بسبب الاعتماد على الحوار في الأساس، لكن ما تنقله الصورة من تعبيرات لوجه توم هاردي، لا يمكن نهائيا أن تلتقطه عين متفرج تفصله أمتار وأمتار عن الممثل في المسرح.
اختار المخرج ومدير التصوير هاريس زامبارلوكوس الاعتماد على كاميرات الديجيتال، وللديجيتال طابع موتر مميز في التصوير الليلي، استفاد منه الفيلم وهي نقطة تميّزت بها بصريا أعمال سابقة أخرى منها مثلا Collateral 2004 - Nightcrawler 2014. ونجح الاثنان بدون تصنع أو افتعال في توظيف عناصر بسيطة جدا خاصة بالسيارة والطريق، لتصبح أدوات تعبير بصرية متعلقة بمشاعر الشخصية المتباينة طوال الطرق والمكالمات المختلفة.. انعكاس الزجاج الأمامي والجانبي.. المرآة الجانبية والعلوية.. الإضاءة الصفراء المستمرة لمصابيح العمدان طوال الطريق.. الخ.
ستيفن نايت له إنجازاته كسيناريست ومنها Dirty Pretty Things 2002 الذي نال عنه ترشيح للأوسكار، لكنّه هنا يقدم أول أداء جيد في مقعد الإخراج، بعد بداية متواضعة مع جيسون ستاثام في فيلم الأكشن Hummingbird 2013.
يظل لأداء توم هاردي الفضل الأكبر في جودة الفيلم. هاردي يتركك دائما بانطباع (خلف هذا الرجل الهادىء الكثير والكثير)، بفضل عيناه بالأخص. ولهذا يفوز باستمرار بأدوار القليل الكلام القوي الحضور، مثل دور بين في The Dark Knight Rises أو ماكس في Mad Max: Fury Road المعروض حاليا. وفي كلاهما يظهر خلف قناع.
هنا وعلى الرغم من كونه يتحدث طوال الوقت بدون توقف تقريبا، ستتركك نظراته وتعبيراته بانطباعات إضافية أخرى مهمة بجوار ما يقوله.
لمنح الفيلم لمسة المصداقية والتلقائية، تم تصوير مشاهد هاردي لمدة 6 أيام متتالية، قام فيها بتصوير الفيلم كله كمقطع واحد يوميا مرتين، جالسا في السيارة التي تجرها مقطورة، ليترك القيادة لغيره ويركز في التمثيل فقط، بينما يقوم باقي الممثلين بأداء دورهم على الهاتف من داخل فندق قريب لمواقع التصوير.
تعليمات المخرج كانت بسيطة لهاردي وطاقم الممثلين. تعامل مع الدور كما لو كنت على خشبة مسرح! لا يوجد STOP أو عودة للوراء.. أكمل المشهد والمكالمة وارتجل إذا سارت الأمور بشكل غير متوقع. ومع نهاية التصوير أصبح مع المخرج 12 نسخة مختلفة من كل مشهد ستشاهده، وانحصرت مهمته في اختيار الأفضل، والتوفيق بينهم.
طريقة بسيطة لا تخلو من مغامرة، تليق بفيلم استثنائي يذكرنا من جديد إلى أي مدى من الممكن أن تكون أبسط الأحداث والشخصيات والصيغ السينمائية، وسيلة لسرد قصة مشوقة وممتازة على شاشة السينما.
باختصار:
الرحلة الليلية مع ممثل واحد انتهت بفيلم جيد جدا تكمن عظمته في بساطته، مع أداء أكثر من ممتاز لـ توم هاردي، يثبت فيه أن تصنيفه كنجم أكشن فقط، خطأ سينمائي فادح.