التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 09:50 ص , بتوقيت القاهرة

ما بين الاقتراضي والواقعي

اسلام الغزولي
اسلام الغزولي

ما بين الاقتراضي والواقعي اكتشفنا جميعا أن جزءا كبيرا من حياتنا ودردشاتنا بل وحتى أسرارنا تباع لمن يدفع أكثر، نحن جميعا أرقام، كلماتنا مفاتيح دالة تتعامل معها حواسب ذكية للشركات العالمية خاصة العاملة في مجالات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة بإحترافية وإتقان، وربما بعضا من تلك المواقع تفهمك أكثر من ذاتك ومن المحيطين بك.

هذه الحواسب لديها الصورة الكاملة من كل محادثاتك، صورك، ومن تحادثهم، وماذا تقول لهم، ومكانك، وهل تركته سائرا على قدميك أم فى سيارتك، ومن كانوا حولك فى نفس المربع، كل ذلك بتفاصيل دقيقة، عنك وعنا المحيطين بك جميعا، فهل يمكن أن يكون لدى أحدنا هذه الفكرة الشاملة عن كل ما يجرى حوله.

ومما لا شك فيه أن تلك المعلومات خاصة بالنسبة للتطبيقات المعروفة والمتداولة بكثافة، والتي تعد الأشهر ويقع معظمنا أسيرا لها وفي بعضا منها عوامل إيجابية عديدة عند التعامل معها بوعي، لكن على الجانب الأخرى فهناك أيضا أنواع أخرى من البرامج تلك التى تطورها جهات خفية تتلصص وتراقب وتصيب أجهزتنا الذكية بملفات تسرق كافة بياناتنا، وعن كمياتها فحدث ولا حرج.

أعتقد أن الأمور أعقد مما تبدو عليه الآن، فهذه البيانات رغم أن البعض قد يراها غير هامة وربما سطحية، لكنها قادرة على تقديم صورة شاملة عن كل فرد منا على حدى، ودون أن ندرى يتم تصنيفنا وبيعنا لشركات غير معروفة بالنسبة لكل منا، ربما تكون أغراضها تسويق منتج، وربما بيع أفكار هدامة هدفها النيل منا أمن وطننا ربما لو وجهت لنا مباشرة سنرفضها.

ربما أيضا لا تشكل كل هذه الأمور تهديدا لجيل المستخدمين الناضجين، للأنهم أكثر وعيا وإدراكا لخطورة الموقف، لكن الأمر ليس كذلك على الإطلاق بالنسبة لمراهق أو شخص غير واعي خرج للعالم لتوه، ولا يدرك عمق المؤامرة التى تحاك ضدنا، فبالتأكيد ستكون أجراس الإنذار الداخلى لديك أعلى من طفلك الذى نشأ وصوره يوما بيوم على صفحة الفيسبوك، وبزغت وترعرعت ميوله عبرها، وتعرفها ترسانة المعلومات الضخمة تلك أكثر مما تعرفها أنت، وربما يكون التلاعب بأفكارنا نحن أصعب، إلا ان المؤكد أن أطفالنا قد تربوا على تلك الوسائل التكنولوجية بشكل أكبر وأعمق.

من فترة طويلة أدركنا أن إعلانات مواقع التواصل الإجتماعي المختلفة تتلصص على صفحاتنا بطريقة مشروعة أو غير مشروعة كما أن بعض التطبيقات الأخرى قد صارت على نفس الدرب وبدأت في متابعة المكالمات الشخصية، والرسائل بل وأفكارنا وتوجهاتنا بكل ما تحمله من ضمانات قانونية.

استطاعت تلك التطبيقات عن طريق جمع وتحليل البيانات أن تدرك أهتمامتك وأفكارك وميولك فورا قبل أن تدرك أنت ذلك، فما بالك لو كنت مراهقا تفكر فى الحرب، والموت، والتفجير والقتل، أو تفتقر للشعور بالانتماء. كل ذلك يعنى أننا فى حاجة إلى تطوير مزيد من وسائل متابعة الانترنت، نحتاج إلى التدقيق أكثر فيما نمنحه من أذون للتطبيقات المختلفة، وعلى مستوى الأسرة نحتاج إلى مراجعة ما يتعرض له أبناءنا من أفكار، أما على المستوى العام فدون مبالغة نحتاج إلى ترسانة دفاع عن وطننا، رقابة مشددة على الأنشطة المريبة لتطبيقات الهواتف والأجهزة الذكية كلها، وبالطبع قوانين تحمى خصوصية الأفراد والوطن فى وجه هذه الاعتداءات السافرة على الخصوصية. فلا خلاف اليوم من أن العالم الإفتراضي أصبح واقعي.