في ذكرى وفاته.. سيد زيان.. قشاش المسرح الفهلوي
في أجواء توحي بأن العرض المسرحي "حركة واحدة أضيعك"، يمر بليلة استثنائية، شعر سيد زيان أن ثماني سنوات في مسرح الهواة سوف تأتي ثمارها في هذا العام 1969، بل في ذلك اليوم تحديدًا، والسبب وجود النجم الكوميدي فؤاد المهندس، وبجواره صانع النجوم سمير خفاجى، مؤسس فرقة الفنانين المتحدين، لذا كان عليه أن يكون اليوم على خشبة المسرح قشاشًا لضحكات المتفرجين، ينغم حنجرته الهاربة من ساحة الغناء الشعبي إلى عالم المضحكين بفهلوية المصري ابن البلد، ويخفي ارتباكه أمام الأستاذ.
في حضور الأستاذ تتفجر موهبة سيد زيان التلقائية، يشعر فؤاد المهندس الذي كان ألمع نجوم الكوميديا على المسرح في الستينات أن هذا الشاب يستحق أن ينضم إلى فرقة المتحدين في عرضه الجديد "سيدتي الجميلة"، وبالفعل تنطلق إشارة قطار النجومية وعلى متنها سيد، عندما أمسك ورقتين ونصف لدوره المميز "زربيح"، والمهندس يتابعه ويضيف لدوره، ويطور معه شخصية هذا العشوائي الذي يطلق رذاذًا كلما نطق حرف الشين، وحينما يمشي يتقدمه صدره المنتفخ، مقتبسًا تفاصيله من مدرس التاريخ في الثانوي.
رغم أن مسرحية "سيدتي الجميلة" ليست نصًا مصريًا، ومقتبسة من إحدى مسرحيات برنارد شو، إلا أن التمصير جعل من كمال، وصدفة، وحسب الله بعضشي، وزربيح، وسليط، شخصيات من قلب الناس، ولم يكن مستغربًا أن تحدث نجاحًا جماهيريًا، وخرج سيد زيان بقدر وافر من التميز والشهرة، لينضم إلى كتيبة المضحكين الجدد، عادل إمام، وسعيد صالح، وسمير غانم، وغيرهم، ذلك الجيل الذي تمرد على الاقتباس المتمصر أحيانًا، وعلى شخصية المضحك العبيط، وفوق هذا لم يتأثروا بكوميديا نجيب الريحاني مثلما حدث مع محمد عوض، وفؤاد المهندس، الذي كان يراه الكاتب الساخر محمود السعدني، في كتابه المضحكون، التلميذ النجيب لمسرح الريحاني في البدايات.
يوميًا بعد منتصف الليل، يخرج سيد زيان من باب ممثلي المسرح، يركب الاتوبيس إلى كوبري الليمون، ثم يلحق بـ قطارًا متجه إلى الزيتون، حيث كان يسكن، يلقي بجسده على السرير ليستعد في اليوم التالي للذهاب إلى المسرح قبل رفع الستار، حياة فنان لم تكن تتناسب مع شاب تخرج من مدرسة الميكانيكا لصيانة طائرات سلاح الطيران، لكن المسرح العسكري الذي انضم إليه في بداية الستينات، كانت نقطة البداية التي جعلته يغير من مساره، وصار ممثلًا، هكذا فعل حسن عابدين، وحسن حسني، الذي وقفوا على نفس المسرح.
يخرج سيد من مسرحية سيدتي الجميلة، رابحًا نظرات الناس في الشارع الذي حفظوا ملامح وجهه، وثبت خطواته بدور الغفير في مسلسلات الضحية، والساقية، والرحيل، مع المخرج نور الدمرداش، لكن النقلة التي جعلت المشاهدين يحفظون اسمه، جاءت مع المعلم محمد رضا في مسلسل رمضاني اسمه "عماشة عكاشة"، وقدم من خلال دور "قفة"، مستلهمًا ملامحها من مكوجي رآه في الزيتون.
تأتيه الفرصة على طبق منذ ذهب، عندما أعطاه السيد راضي دورًا في مسرحية "سنة مع الشغل اللذيذ"، واستمرت أربع سنوات، ثبت فيها قدمه كممثل كوميدي، ثم قدم "قصة الحي الغربي" مع فرقة المتحدين، وفي فرقة الريحاني قدم أكثر من عمل مسرحي، إلى أن أسندت إليه بطولة مسرحية "مين ما يحبش زوبة"، ثم "كنبورة"، وتوالت البطولات مع مسرحياته "الفهلوي"، أبو زيد، القشاش، العسكري الأخضر، وغيرها.
في السينما والتلفزيون، لم يكن سيد زيان نجم العمل، مع استثناء تجربتي فيلمي دورية نص الليل، وحظ من السماء، ويندرجان تحت مسمى "أفلام المقاولات"، رغم ذلك استطاع أن يكون بطلًا للأدوار الثانوية التي قدمها، مواويله ونظراته المندهشة، وضحكته المميزة التي يجب أن تسجل في كتاب اسمه "الضحكات المتفردة لحسن فايق وآخرون"، كل هذا كان سببًا في أن يأخذ مساحة تناسب قدراته، حتى لو كان الدور صغيرًا، كان يملئ الفراغ بموهبته في الغناء والتمثيل.
في مسرحية الفهلوي، عام 1985، كرر تجربة علي الكسار الذي كان يخرج عن النص، ليحاور الجمهور ويدخل قافية معهم، وحينما شعر سيد زيان بنجاح التجربة، صار لونًا خاصًا بمسرحه، وخصص نصف ساعة كاملة للتطرق إلى قضية اجتماعية، مثل الأغاني الهابطة، وفي مسرحية القشاش تطرق إلى الإعلانات المستفزة.
لم تكن الكوميديًا نصًا في المسرح فقط، كونه مرتجلًا مخضرمًا، صارت في حياته مواقف كوميدية، مثل تأثره بحسين رياض الذي كان يقول في الأفلام: "أنا رايح العزبة"، تروق الفكرة لسيد ويقرر شراء عزبة ليقولوا "صاحب العزبة راح.. صاحب العزبة جه"، وفي طريقة دعايته لمسرحياته كانت الكوميديا حاضرة مثلما نشر في الأهرام العربي، عام 1998، "استنساخ سيد زيان على المسرح"، وقال سيد إنه سوف يستخدم مادة كميائية تظهره في مسرحية "بوبي جارد"، أربع شخصيات في وقت واحد أمام الجمهور!!
في سنواته الأخيرة، تستبدل أخبار سيد زيان وأعمال الفنية، بأنباء عن حالته الصحية، وتفرغه للعبادة وغيرها من الأخبار والتقارير التي جعلت العسكري الأخضر بعيدًا عن الكوميديا التي عرفناه بها، ويرحل سيد زيان في 13 أبريل 2016، ابن البلد الذي كان يضحكنا بالدندنة والإفيه.