التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 12:55 ص , بتوقيت القاهرة

في ذكراه الـ98.. كيف أنهى بنك مصر سيطرة الأجانب على الاقتصاد؟

بنك مصر برأس البر
بنك مصر برأس البر

يحتفل بنك مصر بمرور 98 عاما على إنشائه منذ عام 1920 على يد رائد الاقتصاد الوطني محمد طلعت حرب باشا، والذي يعد أول بنك مصري مملوك بنسبة 100% للمصريين.

تعود قصة إنشاء البنك عندما تقدم الاقتصادي محمد طلعت حرب باشا بفكرة إنشاء بنك ذي رسالة وقام بتنفيذ هذه الفكرة وتقديمها للمجتمع المصري بأسره، وتتمثل هذه الرسالة في استثمار المدخرات القومية وتوجيهها للنمو الاقتصادي والاجتماعي، وقد قام البنك في الفترة منذ سنة 1920 إلى سنة 1960 بإنشاء 26 شركة في مجالات اقتصادية مختلفة تشمل الغزل والنسيج والتأمين والنقل والطيران وصناعة السينما وقد استمر البنك في دعم جميع أنشطته بنفس معدل النمو.

اتبع محمد طلعت حرب باشا سياسة تخطيطية مبنية على إيمانه بفكرة البنك القابض الذي يؤسس مجموعة من الشركات المستقلة التي تدور في فلكه فترفعه والقطاعات الاقتصادية الأخرى تدريجياً نتيجة التفاعل الطبيعي بينها جميعاً، وأدت سياسته الرشيدة إلى الكثير من التطورات التي شوهدت في الاقتصاد القومي والتي كانت مرتبطة إلى حد كبير بنشاط بنك مصر وشركاته أو كانت تمثل نتيجة من نتائجه.

شهادة أسهم بنك مصر (من السنوات الأولي لتأسيسه)
شهادة أسهم بنك مصر (من السنوات الأولي لتأسيسه)

بنك مصر.. الفكرة ونشأتها

كان الأجانب الذين كانت مصر تمتلئ بهم بعد أن قدموا إليها مع بداية تولي محمد علي حكم مصر هم وحدهم الذين خاضوا تجربة تأسيس وإنشاء بنوك في مصر منذ مجيء محمد علي، وفقا لنظام الاحتكار السائد والذي لم يسمح بظهور ثروات كبيرة بين المصريين.

والطريف أن محمد علي نفسه حين واتته فكرة إنشاء بنك لم يجد أمامه من يطمئن إليه سوى اثنين من “الخواجات” اليونانيين، وعهد إليهما بإنشاء البنك على أساس مشاركة الحكومة المصرية معهما.

مبني أول فرع لبنك مصر بالإسكندرية
مبني أول فرع لبنك مصر بالإسكندرية

وبعد أن تولى الخديوي إسماعيل حكم مصر أصدر يوم (4 إبريل 1879م) قرارا بتعيين وزيرين أجنبيين في الحكومة التي يرأسها نوبار باشا: الأول فرنسي للأشغال، والثاني إنجليزي للمالية، وزاد هذا القرار من غليان الناس وتذمرهم، حيث ازدادت الديون واجتاح الإفلاس الجميع.

وفي يوم (14 إبريل 1879م) جرى اجتماع حضره كبار الأعيان والتجار، وكان الهدف من ذلك الاجتماع هو إيجاد محاولة لتخليص الوطن من أسر الدين خلال 28 عاما، وفي سبيل ذلك فكروا في افتتاح بنك وطني برأسمال قدره 14 مليونا من الجنيهات تُجمع من سائر أفراد الأمة ومن هذا الاجتماع تولدت فكرة إنشاء بنك وطني للمرة الأولى، وذلك قبل عامين اثنين من الاحتلال الإنجليزي لمصر.

وسرعان ما تدهورت الأمور في مصر إلى أن تم خلع الخديوي إسماعيل من عرش مصر، وحلّ محله ابنه توفيق في (26 يونيو 1879م) وبلغت ديون مصر حوالي مائة مليون جنيه.

ثم وقعت مصر- التي كانت تحت السيادة العثمانية- تحت الاحتلال الإنجليزي بعد هزيمة عرابي (1881م) ومع بوادر الحرب العالمية الأولى أعلنت بريطانيا في (27 سبتمبر 1914م) إنهاء السيادة العثمانية على مصر، ووضعتها تحت الحماية البريطانية.

شركات بنك مصر عام ١٩٤٧ (بعد ٢٧ سنة من تأسيس البنك)
شركات بنك مصر عام ١٩٤٧ (بعد ٢٧ سنة من تأسيس البنك)

وحتى الحرب العالمية الأولى سيطر الأجانب على جميع البنوك في مصر، وبلغ الرأسمال الأجنبي في عام (1914م) حوالي 91% من مجموعة الأموال التي تُستغل في الشركات المساهمة التي تزاول نشاطها في مصر.

وفي ظل هذا الحال كان صوت طلعت حرب هو الصوت الاقتصادي الذي رأى أن السبيل لتحرير اقتصاد مصر هو إنشاء بنك مصري برؤوس أموال مصرية صرفة، وأخذ يطوف القرى والنجوع داعيا لإنشاء بنك مصر، ولكنه قوبل بالسخرية والاستهزاء في أحيان كثيرة، إلا أنه لم ييأس.

وبخطوات هادئة وواثقة ظل طلعت حرب يدعو للمشروع، وحين سمع بذلك المستشار المالي الإنجليزي استدعاه لمقابلته، وقال له: "هل تتصور أن المصريين يستطيعون أن يديروا بنكا؟ إنها صناعة الأجانب وحدهم"، بل إنه نصحه بأن يشرك الأجانب في أي بنك يفكر بإنشائه حتى يعطي المصريين شعورا بالثقة في هذا البنك، لكن طلعت حرب رد عليه بثقة: "لقد قررت أن يكون هذا البنك مصريا مائة في المائة".

طلعت حرب يرتدي "الروب" ، والصورة قبل أشهر قليلة من وفاته
طلعت حرب يرتدي "الروب" ، والصورة قبل أشهر قليلة من وفاته