"فرغلي باشا" ملك القطن.. صعيدي هزم الأجانب ودافع عن "ناصر"
- صفع ابنته بعد دعائها على عبد الناصر بسبب فرض الحراسة على أمواله
- الرجل ذو القرنفلة الحمراء اعترف بتقديم رشاوي لمئات الموظفين والناخبين
يعد محمد أحمد فرغلي الملقب بملك القطن أحد كبار رجال الأعمال في مصر قبل ثورة يوليو، وصاحب شركة فرغلي، إحدى أكبر وأنجح شركات القطن في تاريخ مصر.
قوة فرغلي باشا الذي ينتمي إلى أسرة صعيدية بمدينة أبو تيج في أسيوط ونزحت إلى الإسكندرية واستقرت بها، لا تكمن فقط في أنه يعد من ألمع رجال المال والأعمال في الربع الثاني من القرن العشرين، ولكن أيضا في أنه أول مصري ينهي سيطرة الأجانب الطويلة على المناصب القيادية عندما انتُخِبَ وكيلاً لبورصة مينا البصل عام 1935.
ملك القطن ليس اللقب الوحيد الذي يمكن إطلاقه على محمد أحمد فرغلي باشا، فهو أيضا ملك الرشوة، حيث اعترف في مذكراته بأنه قدم الرشوة إلى مئات الأشخاص، ليحقق منها أعلى الأرباح والمكاسب.
يقول فرغلي باشا في مذكراته: "قدمت الرشوة إلى الاوكسترا المحيطة بالملك، وإلى أحد كبار الصحفيين، وإلى الناخبين ليعطوه أصواتهم".
كما يلقب محمد أحمد فرغلي أيضا بالرجل ذي القرنفلة الحمراء، الذي ظل يعلقها في عروة جاكتته منذ شبابه حتى مات، وخصص لإنتاج تلك القرنفلة مساحات هائلة من الأرضي.
تاريخ الأسرة
كانت أسرة فرغلي باشا محسوبة من الصفوة، حيث الثراء المادي والاقتصادي، حيث حمل الشارع الذي ولد فيه اسم أسرته.
توارثت الأسرة العمل التجاري، فالجد والابن من بعده يُعدان من كبار تجار الحبوب، وكانا يتاجران في القطن على الجانب المحلي وحده، ولا يخوضان تجربة التصدير إلى الخارج.
تلقى محمد أحمد فرغلي تعليمه في مدرسة الجيزويت الفرنسية، وسافر بعد ذلك إلى إنجلتـرا لدراسـة الاقتصاد في جامعة لندن، لكن مرض الأب اضطره إلى العودة إلى الإسكندرية؛ لتحمل أعباء العمل التجاري للعائلة.
كان رأسمال الأب في تلك الفترة يقترب من 30 ألف جنيه، وهو رقم كبير آنذاك، لكن طموح الابن تجاوز ذلك بكثير.
بعد فترة حاول العمل مستقلاً لمدة عامين، إذ أنشأ مزرعة لتربية الخنازير فوق أرض مستصلحة تبلغ مساحتها 900 فدان كانت تملكها العائلة في منطقة أبو الشقوق بالقرب من المنصورة، ثم استدعاه أبوه، فقرر تصفية مشروعه الذي حقق من ورائه ربحًا صافيًا يقترب من ثلاثة آلاف جنيه، وهو رقمٌ ضخم بمقاييس عشرينات القرن الماضي.
وتحت إلحاح الابن محمد، سرعان ما بارك الأب تحول جزء من نشاط الأسرة التجاري إلى مجال تصدير الأقطان، الذي كان حكرًا على الأجانب.
تكبدت الصفقـة الأولى في مجال تصديـر القطن خسارة فادحة، تزيد على أربعة آلاف جنيه، غير أن محمد تعلم من التجربة جيدًا.
بدأت رحلة "ملك القطن" - الذي توفي والده عام 1927- مع التصدير بحصـةٍ لا تتجاوز 0.25% من إجمالي المحصـول المصـري من القطن، وبعد ما يزيد قليلاً عن عشر سنوات، كان محمـد أحمـد فرغلي يصدر 15% من جملة المحصول، محتلا المركز الأول في قائمة المصدرين، فضلاً عن أن نجاحه مثل دافعًا لأن يقتحم مصريون آخرون مجالاً كان مغلقًا دونهم.
لقب البكاوية بكلمة
في مقابلة مع الملك فؤاد بعد انتخابه وكيلاً لبورصة مينا البصل، ودعه الملك مخاطبًا بكلمة "بك"، ولما كان نطق الملك ساميًا لا رجعـة فيه، فقد حاز محمد أفندي فرغلي رتبة البكوية، وفي عام 1941، في ظل وزارة حسين سري، حصل فرغلي على رتبة الباشاوية.
مر محمد أحمد فرغلي بالعديد من الأزمات، لكن تمكن من تخطيها ففي عام 1934م أدى ارتفاع أسعار القطن في بورصة نيويورك إلى توريده كميات كبيرة كان متعاقدًا عليها بأسعار كلفته خسارة قدرها 600 ألف جنيه، غير أن حصوله على قرض من البنك الإيطالي بقيمة 100 ألف جنيه دون ضمان، أنقذه من ضائقة مالية شديدة.
وعاد الخط البياني إلي الصعود السريع حتى جاءت الأزمة الثانية عام 1949م، وخلال السنوات الفاصلة بين الأزمتين، كان فرغلي قد أصبح من كبار المساهمين في عدد كبير من الشركات وعضوًا في مجالس إدارات عدد من البنوك والمؤسسات الاقتصادية، وتوسعت شركة فرغلي للأقطان في أعمالها حتى وصلت أرباحها السنوية إلى ما يزيد عن مليون جنيه.
في الأزمة الثانية، عجز التجار عن توريد الكميات المطلوبـة في التوقيتات المحددة لمجمـوعة شرائيـة عملاقة تم الاتفاق بشأنها بين محمد أحمد فرغلي وآخرين.
للإفلات من الحصار الذي يهددهم، لجأ هؤلاء التجار إلى تصعيد الأمر بالشكوى إلى الحكومة، وكانت المفاجأة في فتوى وزارة المالية بإمكان تسليم التجار أقطان لا تطابق المواصفات.
وفي عام 1951، تعرض فرغلي (باشا) لأزمة ثالثة، دفعته إلى البكاء أمام زوجته فقد تعاقد على بيع ربع مليون قنطار من القطن بسعر ثمانية جنيهات للقنطار، لتصل قيمة الصفقة إلى مليوني جنيه، بعد أن تم التعاقد، رفض خبراء البورصة القطن الذي قدمه فرغلي لأنه ليس مطابقًا للمواصفات، وعندما احتج المُصدِر الكبير على القرار، تشكلت لجنة ثانية أيدت ما وصلت إليه اللجنة الأولى، ويعترف محمـد أحمـد فرغلي بأنه دفع خمسة آلاف جنيه لأحد كبار الصحفيين ممن يملكون دارًا صحفية، ليكتب مقالاً موقعا باسم فرغلي باشا، حمل عنوان "إني أتهم"، يتهم فيه مندوب الحكومة في البورصة بالتحيز.
ولم ينقذ فرغلي (باشا) من المحنة الثالثة سوى حريق القاهرة، ففي أعقاب حريق القاهرة الذي شب في 26 يناير 1952م، سقطت الحكومة الوفدية، وتشكلت وزارة جديدة قبلت القطن الذي سبق رفضه، وبدلا من خسارة المليونين، حقق فرغلي ربحًا جديدًا.
تأميم أموال فرغلي
بعد أن فرضت عليه الحراسة قدرت قيمة شركات فرغلي بمبلغ مليوني جنيه، على الرغم من أن قيمتها الحقيقية تزيد عن ذلك بأربعة أضعاف، أما أول مرتب شهري حصل عليه بعد فرض الحراسة على أمواله، فلم يزد عن جنيهين ونصف الجنيه.
في الستينيات، تلقى محمد أحمد فرغلي عرضًا للعمل كمستشار في أحد البنوك الإنجليزية في لندن براتب يصل إلى 25 ألف جنيه بالإضافة إلى مسكن وسيارة وسائق، لكنه رفض العمل خارج مصر ووافق ملك القطن على العمل مستشارًا لمؤسسة القطن في مصر، بمرتب يعادل مجلس الإدارة، غير أن المجلس في اجتماعه للموافقة على التعيين، رفض المرتب المقترح، وقرر ألا يزيد عن 100 جنيه.
كتب فرغلى باشا مذكراته ونشرها سنة 1984 في كتاب سماه " عشت حياتي بين هؤلاء ".
يقول فرغلي باشا في مذكراته: " أذكر يوما في بداية الستينات بعد التأميم والحراسة اجتمعت فيه مع بناتي على الغذاء مثلما تعودنا دائما..وحضرت إحدي بناتي ومعها طفلتها المريضة جدا، وبدأت تشكو حالها وعجزها من تقديم المعونة للطفلة المريضة وكنت أشعر أنها محقة في ذلك فلم يكن من المتصور أن تتمكن من علاج طفلتها وكل ما تصرفه لها الحراسة كي يعيشوا منه 150 قرشا في الشهر، وأمام إحساس بألمها قلت لها أنني سوف اساعدها بقدر ما استطيرع، فسألتني بكم، وعليك أن تحسب السنوات القادمة وكلها سنوات ضنك، ولما لم أرد عليها رفعت رأسها نحو السماء والدموع في عينيها، وقالت ربنا يفعل بأولاده مثلما فعل بنا ( وكانت تقصد بالطبع الرئيس عبد الناصر) ونهرتها قائلا: إن هذا لا يجوز فابناؤه ليس لهم ذنب فيما حدث، فأعادت الدعاء على أبنائه مرة أخري، وشعرت أن ما فعلته لا يليق بأخلاقنا، فقمت من مكاني وصفعتها على وجهها، فبكت وبكت أخوتها معها وكذلك فعلت زوجتي وشعرت بالألم يثقل صدري ولم أملك إلا أن قول لنفسي " منه لله).