التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 07:01 م , بتوقيت القاهرة

في ذكرى عودة طابا للسيادة المصرية.. كيف دبرت إسرائيل لإزالة العلامة 91؟

رفع العلم المصري على طابا
رفع العلم المصري على طابا

22 عامًا قضتها مدينة طابا المصرية وسكنها، في صراع مع الإحتلال الإسرائيلي، عقب اغتصاب المحتل لأرض الفيروز عام 1967، تلك المدينة التي تتبع محافظة جنوب سيناء، وتقع على رأس خليج العقبة بين سلسلة جبال وهضاب طابا الشرقية من جهة، ومياه خليج العقبة من جهة أخرى، يبلغ تعداد سكان 3000 نسمة، وتبلغ مساحتها 508.8 فدان تقريبًا، كما تبعد عن مدينة شرم الشيخ نحو 240 كم شمالًا.

تمثل المدينة قيمة تاريخية واستراتيجية كبيرة لموقعها المتميز، الذي يشرف على حدود 4 دول هي مصر، السعودية، الأردن، إسرائيل، حيث تبعد عن ميناء إيلات الإسرائيلي نحو 7 كم شرقًا، وتقع في مواجهة الحدود السعودية في اتجاه مباشر لقاعدة تبوك العسكرية، وتعد آخر النقاط العمرانية المصرية على خليج العقبة في مقابلة الميناء البحري الوحيد للأردن وهو ميناء العقبة.

طابا

 

بداية الأزمة

​بعد انتهاء حرب أكتوبر عام ‏1979، عقدت مصر واسرائيل اتفاقية السلام المعروفة باسم "كامب ديفيد"، والتي بموجبها بدأت إسرائيل انسحابها من سيناء، وفي أواخر عام 1981 الذي كان يتم خلاله تنفيذ المرحلة الأخيرة من مراحل هذا الانسحاب، سعى الجانب الإسرائيلي إلى افتعال أزمة تعرقل هذه المرحلة، وتمثل ذلك بإثارة مشكلات حول وضع‏ 14‏ علامة حدودية أهمها العلامة ‏(91)‏ في طابا، الأمر الذي أدى لإبرام اتفاق في ‏25‏ أبريل‏ 1982‏ والخاص بالإجراء المؤقت لحل مسائل الحدود، ونص على عدم إقامة إسرائيل لأي إنشاءات، وحظر ممارسة مظاهر السيادة، وأن الفصل النهائي في مسائل وضع علامات الحدود المختلف عليها يجب أن يتم وفقًا لأحكام المادة السابعة من معاهدة السلام المبرمة بين البلدين، والتي تنص على حل الخلافات بشأن تطبيق أو تفسير المعاهدة عن طريق المفاوضات، وأنه إذا لم يتيسر حل هذه الخلافات بالمفاوضات فتحل عن طريق التوفيق أو تحال إلى التحكيم.

‏بعد مضي ‏ 3‏ أشهر من هذا الاتفاق،‏ افتتحت إسرائيل فندق سونستا وقرية سياحية وأدخلت قوات حرس الحدود‏،‏ فقامت الحكومة المصرية بالرد عن طريق تشكيل اللجنة القومية للدفاع عن طابا أو اللجنة القومية العليا لطابا، وتشكلت بالخارجية المصرية لجنة لإعداد مشارطة التحكيم، وعقب قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي بالموافقة على التحكيم، تم توقيع اتفاقية المشارطة بمشاركة شمعون بيريز في 11 سبتمبر 1986، والتي قبلتها إسرائيل بضغط من الولايات المتحدة. وهدفت مصر من تلك المشارطة إلى إلزام الجانب الإسرائيلي بتحكيم وفقاً لجدول زمني محدد بدقة، وحصر مهمة هيئة التحكيم في تثبيت مواقع العلامات ال14 المتنازع عليها.

العلم المصري يرفرف فوق طابا

محاولة التضليل 

الجانب الإسرائیلى وجد نفسه أمام ضغوط دولية، فلجأ إلى الاعتماد على فكرة التضلیل الإعلامي والتزییف للحقائق خلال سیطرتهم على المنطقة من 1967 إلى 1982 فعمدوا إلى محاولات لتغییر ملامحها الجغرافیة، وإزالة علامات الحدود المصریة قبل حرب یونیو، ومنها  أنف الجبل الذي كان یصل إلى میاه خلیج العقبة، وحفر طریق مكانه یربط بین مدینة إیلات الإسرائیلیة ومدینة طابا المصریة، وكان على الجانب المصري أن یبحث عن هذه العلامات التى أزالتها إسرائیل من الوجود ولم نعثر على العلامة الأساسیة رقم "91" وهي العلامة الأخیرة ولم يعثر في البدایة إلا على موقع العلامة قبل الأخیرة التي شاع لبعض الوقت أنها الأخیرة.

{فع العلم المصري على طابا

تحديد المكان الصحيح للعلامات

اللواء بحري محسن حمدي، رئیس الوفد المصرى فى اللجنة العسكریة المشتركة، والشاهد الأول من داخل لجنة المصرية آن ذاك، أشار إلى عدة حقائق یأتي فى مقدمتها أن المادة الثانیة من معاهدة السلام   المصریة الإسرائیلیة المنعقدة فى 26 مارس 1979 قد نصت على (أن الحدود الدائمة بین مصر وهى الحدود الدولیة المعترف بها بین مصر وفلسطین تحت الانتداب ویقر الطرفان بأن هذه الحدود مصونة لاتمس) وقد تضمنت أن تنشأ لجنة مشتركة لتسهیل تنفیذ هذه المعاهدة، وبدأ العمل فى تحدید مواقع العلامات فى أبریل 1981 وتم الاتفاق على تحدید العلامات حتى العلامة 90 ثم توقفت اللجنة لتحدید موضع العلامة التالیة 91، وكان أعضاء اللجنة المصریة یعلمون من خلال الوثائق والخرائط والأدلة التي فى حوزتهم بمكان العلامة الأخیرة على سلسلة الجبال، غیر أن الإسرائیلیین أخذوا الفریق المصرى إلى أسفل  بجوار أشجار الدوم، وأشار الإسرائیلیون إلى بقایا مبنى في الوادى لیروا ما أسموه بقایا العمود الأخیر، وأعدوا  العلامة 91 هناك.

وأوضح "حمدي" أن الوفد المصرى لم یقبل بهذا الموقع، وأصروا على الصعود لأعلى، وهناك وجد المصریون بقایا القاعدة الحجریة للعلامة القدیمة، ولكنهم لم یجدوا العمود الحدیدي المغروس في القاعدة والذي كان یحمل في العادة رقم العلامة، وقد اندهش الإسرائیلیون عندما عثروا على القاعدة الحجریة وكانت الصدمة الكبرى لهم حین نجح أحد الضباط المصریین فى العثور على العمود الحدیدي على منحدر شدید الوعورة، حیث نزل وحمله لأعلى، وطول هذا العمود مترين وعرضه 15 سم، ووزنه بین 60 إلى 70 كجم، وكان موجودًا علیه رقم 91، وأمام هذا الموقف لم یتمالك أحد أعضاء الوفد الإسرائیلى نفسه قائلاً: "إن الطبیعة لا تكذب أبداً"، واتضح فنیاً أن العمود والقاعدة قد أزیلا حدیثاً، ورغم ذلك فقد رفضت إسرائیل الاعتراف بهذه العلامة.

طابا..

عودة الحق المغتصب

وفي 29 سبتمبر 1988 تم الإعلان عن حكم هيئة التحكيم في جنيف بسويسرا في النزاع حول طابا، وجاء الحكم في صالح مصر مؤكداً أن طابا مصرية، وفي 19 مارس 1989 كان الاحتفال التاريخي برفع علم مصر معلنًا السيادة على طابا، وإثبات حق مصر في أرضها.