التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 08:47 م , بتوقيت القاهرة

ثورة الفقراء في إيران

إسلام الغزولي
إسلام الغزولي
نشبت في إيران بدايات العام ما أطلق عليه ثورة الفقراء والتي انطلقت على أطراف طهران، تلك الحالة الاحتجاجية تعد الأضخم وإرتكز كان قوامها على الشباب من أبناء الطبقات الفقيرة، إلا أنها سرعان ما انحسرت، أرجع البعض من المحللين الإستراتيجيين أسباب اندلاع تلك الاحتجاجات إلى الأوضاع الاقتصادية داخل إيران التي ليست فى أفضل أحوالها، كما أن المؤشرات تشير إلى أن نسب الفساد تتزايد وكذلك عدم شفافية نظام الملالي الذي يفرض السيطرة الكاملة على نظام الحكم بما فيها الشؤون المالية والاقتصادية والعسكرية للبلاد، ويضع حالة تتشابه لحدا كبير مع الكهنوت على إدارة الدولة بنفس درجة الكهنوت الدينية وسريتها، فلا يطلع أحد على تفاصيل الاقتصاد الإيراني وآلياته وكيفية توزيع الخدمات والمرافق، أو حتى التوزيع الجغرافي للاستثمارات الداخلية.
 
حالة الكهنوت هذه فرضت حالة من حالات التهميش للشباب فى المناطق البعيدة عن طهران، واثرت بشكل مباشر على قدرة الإقتصاد الايرانى على تلبية احتياجات المجتمع من فرص عمل حقيقية، كما ساعدت الزيادات المرتفعة لأسعار الوقود في أرتفع الأسعار ومثلت أعباء أضافية على كاهل الأسر الفقيرة المهمشة التى تعيش بعيدا عن طهران، وظل الوضع ضاغطا حتى أنفجر فى مشاهد الثورة التى خرجت فى الشارع الإيرانى.
 
إلا إنه إلى جانب تلك الأسباب فإن البعض قد أشار في تحليلاته إلى أنه يبدو أن هذه الثورة أيضا قد خرجت بإيعاز من بعض الجماعات المحافظة لا تزال فى السلطة والتي كانت أقرب الى الرئيس السابق أحمدي نجاد بكل ما كان يحمله من فكر متشدد، وبعد أن ذهب أحمدي نجاد وجاء حسن روحانى الذى يوصف بالإصلاحى الذي بدأ فى السعى نحو تحويل إيران لتكون دولة منفتح على العالم اقتصاديا وثقافيا وقام بالدفع ببعض العناصر التي يراها إصلاحية داخل السلطة ومراكز صنع القرار، فكان الرد من التيارات المحافظة التى لايزال لها نفوذ داخل السلطة فى إيران بالإيعاز للشباب من المناطق المهمشة بضرورة الثورة على قرارات الإصلاح الإقتصادى التى بدأها حسن روحانى، وقد يكون المقصود من الدفع بالشباب الإيرانى إلى الثورة ليس الإطاحة بـحسن روحانى، ولكن توصيل رسالة تهديد لكافة الإصلاحيين داخل إيران وعلى رأسهم حسن روحانى نفسه.
 
ولكن وعلى خلاف ذلك فسرعان ما بدأت القوى المحافظة داخل إيران فى الوقوف ضد المعترضين من الشباب لما يمثله هذا الخروج العنيف من تأثيرات سلبية ضد سلطة الدولة بهذا الشكل الفج، وجاءت تحركات المحافظين ضد الثورة التى أشار البعض إلى أنهم من بدئوها بأنفسهم، نظرا لأن الشباب حينما تم الدفع به للخروج ضد الدولة أوشكت الأحداث على الخروج عن السيطرة تماما خاصة بعد قيام البعض بإحراق وتخريب بعض الأضرحة للملالي والقيادات الروحية في إيران، في إشارة إلى أن الشباب ساخط على سلطة الحكم الديني الذي يسيطر عل إدارة البلاد منذ عقود، ولعل مشاهد الإعتداءات على الأضرحة قد بثت الرعب فى نفوس من دفعوا بالشباب للخروج، فلم يكونوا يتوقعون أن شرارة الثورة ستنقلب ضدهم وضد سلطتهم بهذه السرعة وأن الشباب الإيراني رافض لسلطتهم الدينية وإستحواذها على الحكم في إيران على هذا النحو.
 
لاشك أن هناك العديد من الأسباب والتحليلات عن تلك الفترة إلا أن المتابع للشأن الإيراني يجد فى الداخل الإيرانى مؤشرات قوية على وجود تيار إصلاحى حقيقي لديه مساحات واسعة من الدعم خاصة من أبناء الطبقات الفقيرة التي تم تهميشها وكذا الشباب، فهل يكون هذا التيار الإصلاحى مناهضا للطموحات التوسعية للنظام الإيراني الحالي فى المنطقة، وهل هذا التيار لبناء علاقات صداقة ومصالح متبادلة مع جيرانه في المنطقة، هى كلها أسئلة ستوضح مع الوقت، خاصة في ضوء التغييرات الضخمة التي تحدث في منطقة الشرق الأوسط في الأيام القادمة.