التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 02:38 ص , بتوقيت القاهرة

تحقيق| حكايات عن العنف الأسري.. فتيات هربن من التعذيب

إعداد: طلال رسلان وإسراء سلام ورفيدة البسيوني ومريم عاطف


تنويه هام: هذه القصص واقعية وبأسماء أبطالها الحقيقيين وكتبت بناء على رغبتهن التامة وبعلمهن، على أمل أن يجدن حلا عند المسؤولين في تجريم العنف الأسري وتغيير نظرة المجتمع.


 


 



"الأسرة أساس المجتمع".. جملة وردت في الدستور المصري، تحمل في طياتها كثيرا. يُبنى بها مجتمع أو يذهب في مهب الريح.


في ليلة باردة من شتاء عام 2011 استطاعت أسماء، 25 سنة، كسر أقفال الغرفة التي حبسها بها أبوها - أمام أحد المساجد الشهيرة - بعد ساعات من الألم والتعذيب والعنف، ثم هربت من المنزل.


ولدت أسماء في أسرة متوسطة الحال مكونة من ثلاثة ذكور وثلاث فتيات بأحد أحياء القاهرة الفقيرة، عاشت معاناة من العنف الأسري، بدأت باكرا، عندما أجبرها أبوها على إجراء عملية الختان، رفضتها أسماء بعد وصلات من التعذيب والضرب.


تحكي أسماء كيف كان يضربها أبوها بالكرباج دائما بسبب أو دون سبب، "مرة من المرات جاب سلة الزبالة المليئة بالدود ووضع رأسي بها. كل دا بسبب رفضي للحجاب، أو ارتدائي ملابس غير واسعة، أو أي سبب والسلام، دا حرام، ما تخرجيش برة البيت. انتِ بنت، في النهاية هربت من التعذيب".


استقلت أسماء، التي انتهت لتوها من دراسة الخدمة الاجتماعية، بحياتها بعد أيام من نومها على كرسي بأحد مقاهي وسط القاهرة، إلا أن تعرفت على فتيات مغتربات ساعدنها على إيجاد عمل بأحد المصانع، ثم سكن ميسور الحال لا تتدعى كلفته بضع جنيهات.


تقول رغم التعذيب الذي ذاقته إلا أنها حاولت كثيرا الرجوع إلى أسرتها، إلا أنهم رفضوا "مش هنسى الجملة اللي قالوها البنت اللي تخرج عن طوعنا تبقى ماتت". وتضيف أسماء "نجحت في حياتي أخيرا، وأعمل الآن في مكانين، وأُرسل أموالا إلى أمي بعد وفاة والدي، وبعد رفض أخوتي الشباب تحمل المسؤولية".


العنف الأسري


 


  • 1.5 مليون واقعة عنف أسري في مصر سنويا


 


أصدر المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إحصائية عن العنف الأسري، ذكرت أن مليون ونصف المليون واقعة عنف أسري سنويا بمعدل 2741 شهريا، منها 20% ارتكبها الأشقاء ضد شقيقاتهم، 7% ارتكبها الآباء ضد بناتهم.


ألعنف


نحو 3 آلاف بنت تعرفهن أسماء من خلال المقابلات الشخصية أو ندوات جمعيات حقوق المرأة في القاهرة، قررن الهرب من بيت العائلة نتيجة التعذيب والعنف الأسري.


منذ نحو 5 سنوات قررت ياسمين، فتاة سيناوية في منتصف العشرينات، الهرب من أسرتها، بعد العنف الذي تعرضت له بدأ في سن 3 سنوات بعد محاولة اغتصابها من أخيها، والذي بالطبع تجاهلته الأسرة "وكأن شيء لم يكن"، على حد قولها.


تحكي ياسمين كيف تعرضت لحمى واضطراب نفسي "حالة عصبية" في سن صغيرة بعد عدد لا بأس به من "العُلق" انتهت بآثار موجودة على جسدها إلى الآن.


"حرموني من المصروف وأنا عندي 10 سنين، فاشتغلت صبي ميكانيكي، وانتهى الأمر مثل سابقه بعلقة ساخنة". تقول ياسمين إنها كانت تفكر دائما في الهرب والاستقلال بحياتها.


تسكت ياسمين دقائق وتشعل سجارتها الثالثة، تنظر بعيداً وكأنها تتذكر آلاما أخرجتها مع دخان النفس الأول، ثم تقول "كانت حادثة أليمة، تعرضت للاغتصاب من ثلاث شباب، أحدهم صديق أخي، فكرت في الانتحار كثيرا قبل مصارحة أهلي الذين كذبوني وأهانوني، فقدت بعدها النطق والحركة تماما لمدة 8 أشهر من آثار الضرب".


بعد حادثة الاغتصاب هربت ياسمين من أهلها، ظلت أكثر من 6 أشهر تعمل صباحاً وتنام في إحدى المقاهي ليلا، إلى أن جمعت مبلغاً من المال ظنت من خلاله أنه سبيل لاستئجار شقة، إلا أن أصحاب العقارات في مناطق القاهرة الشعبية رفضوا فكرة تأجير شققهم إلى فتاة هربت من أهلها، انتهت رحلة بحث ياسمين بأن لجأت إلى العيش في مكان بطريق الواحات بمساعدة صديقة.


مؤخرا استطاعت الفتاة العشرينية العيش في أحد أحياء القاهرة بل تساعد فتيات في حالتها نفسها، "مصيري الآن بين رفض أهلي، وخاصة بعد مشاكل كثيرة دخلت أروقة القضاء، وبين مجتمع لا يرحم".


"تعرضت لمأساة في حياتي، جسدية ونفسية، بعد انفصال أبي وأمي، قررت بعد فترة طويلة الهرب من البيتين" لخصت مريم حكايتها في هذه الجملة.


مريم، فتاة قاهرية في بداية العشرينات من عمرها، كانت تعيش في إحدى المناطق الراقية ذات مستوى مادي عالٍ، إلى أن انفصل أبيها عن أمها، لتبدأ رحلتها مع الضرب والإهانة وفقدان الهوية.


تحكي مريم كيف كانت تعاملها زوجة أبيها، بعدما انتقلت للعيش معهم في مرحلة الثانوية العامة، "تجاهل أبي إهانتي، وزادت معاملته السيئة، تحملت أقصى أنواع الضرب حتى بالحديد، صراع نفسي وانفصال تام عن الحياة، انتهى بالهروب من البيت".


توقعت مريم أن تكون حياتها أسهل في بيت والدتها، لكن الأمر زاد سوءا "منعتني أمي من التحدث حتى مع خالاتي، منعتني من الشارع، كل يوم كانت تضربني بسبب أو دون سبب، فاض بي وأصبحت حياتي جحيما، قررت الهرب".


تقول مريم "عملت لمدة 6 أشهر لجمع مبلغ استطعت من خلاله تأجير شقة، إلى أن حاول أحد جيراني التعدي علي عندما عرف أني بمفردي، وطردتني صاحبة العقار بعدما اشتكى لها أني سيئة السمعة".


انهارت مريم في البكاء، قبل أن تنهي حكايتها "تعرفت على مجموعة من الفتيات عن طريق فيسبوك، اللاتي رحبن بي في شقتهن، الآن أبحث عن عمل للعيش منه، وأستطيع من خلاله استكمال دراستي في كلية دار علوم القاهرة".


عند إجرائنا استبيان لرأي الفتيات بشأن تعرضهن لإحدى طرق العنف داخل الأسرة تمحورت أغلب الإجابات حول "ضرب مبرح، إهانة، حرمان، تعذيب".


العنف


حكايات بنات عن العنف الأسري


حكايات بنات عن العنف الأسري


تحكي إحدى الحالات كيف لجأت إلى قص شعرها حتى تتلافى تقطيعه من أبيها وقت ضربها، وأخرى تقول إنها "تحوش" من مصروفها كي تتخلص من حياة "المعتقلات" التي تعيشها.


الشرع يجرم والقانون قاصر


"الأديان كرمت المرأة فكيف نفعل هذا بها"، هكذا جاء تعليق الشيخ خالد حماية، إمام وخطيب مسجد السلطان حسن، فالضرب ليس من السنة ولا من الشرع بل هو مرض اجتماعي، على حد تعبيره.


وأضاف حماية أن التربية والتأديب تكون بالنظرة، وبالعقل، وبالعاطفة "فيه مليون طريقة نربي بيها ولادنا غير الضرب والعنف".


وأكد إمام مسجد السلطان حسن، ضرورة تحرك الدولة لوضع عقوبات تعزيرية، ضد الآباء الذين يسيئون لأبنائهم بأي نوع من العنف سواء الجسدي، أو النفسي.


وبالحديث عن القانون أشارت مارجرت عازر، عضو المجلس القومي للمرأة، إلى أنهم بصدد وضع قوانين تجرم العنف ضد المرأة سواء متزوجة أم لا، وأضافت "السجن مش بعيد عن أي حد يهين المرأة".


البرلمان يطالب بالقانون


تقدمت النائبة سولاف درويش، عضو مجلس النواب، بمشروع قانون رئيس المجلس الدكتور علي عبد العال، يجرم العنف ضد المرأة.


وقالت النائبة إن هذا القانون هو أول تحرك حقيقي في إطار عام المرأة الذي أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث إن نص الدستور فى المادة (11) منه على أن "تلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل. كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجا.


أخيرا لدينا عشرات التسجيلات لفتيات تعرضن للعنف الأسري، وينتظرن الفرصة للاستقلال بحياتهن، فهل يتحرك المسؤولون ومتخذي القرار لتغليظ العقوبة وحماية المجتمع من الانهيار.