أحمد خالد توفيق: لا يجوز عقاب الإخوان بإبادتهم (حوار)
حوار- سها السمان:
يغرد الطبيب والكاتب أحمد خالد توفيق دوما خارج السرب منذ جاء من طنطا إلى مقر المؤسسة العربية الحديثة في القاهرة حاملًا معه أساطير الرعب، المفاجأة أن المؤسسة التي كانت تصدر وقتها "رجل المستحيل"، و"ملف المستقبل"، كأهم سلاسل روايات للشباب، وافقت على إصدار سلسلة أخرى تدور حول عالم الرعب بطلها طبيب عجوز دائم السخرية من مرضه، والمدهش إن هذه الشخصية حققت نجاحا كبيرا بين الشباب خاصة مع اللون الجديد للرعب الساخر الذي صار توفيق رائدا له في مصر والعالم العربي.
وسرعان ما ظهرت سلاسل أخرى ناجحة لنفس المؤلف مثل "فانتازيا" وبطلتها عبير الفتاة العادية التي تمتلك خيالا يجعلها تخوض مغامرات خارج حدود الزمان والمكان، و"سفاري" التي يخوض بطلها الشاب علاء الطبيب الذي يعمل مع إحدى البعثات الدولية في إفريقيا.
عندما أصدر أحمد خالد توفيق روايته الأولى "يوتوبيا" عام 2008، لاقت نجاحا فاق كل التوقعات، حيث اعتبرها البعض بمثابة نبوءة لما يمكن أن يحدث في مصرنتيجة انتشار الفساد حيث تستقل طبقة الأغنياء في منطقة الساحل الشمالي تحرسها قوات خاصة، بينما ينتشر الفقر الشديد والمرض والجهل بين بقية السكان الذين لم يعد يحكمهم سوى قانون الغاب.
ورغم قيام ثورة يناير إلا أن المؤلف يرى أن كل الظروف تجعلنا نسير بسرعة أكبر في اتجاه تحقيق نبوءة "يوتوبيا"، بل ويرى أن الأمور وصلت الآن لحال أسوأ مما كانت عليه يوم 24 يناير. وقد حاورنا الدكتور أحمد خالد توفيق حول الأدب والسياسة.
- تكتب المقالات العامة بشكل منتظم الآن، هل جذبتك المقالات أكثر من الأدب؟
بالعكس، أنا كاتب مقال مقلّ جدًا، ولا أتجاوز ألف كلمة في الأسبوع مع الاعتذار من حين لآخر، هناك أيضا مقال شهري يُنشر في مجلة الشباب لكن موضوعه بعيد عن أي أحداث جارية، أنا كاتب قصص ولست كاتب مقال، وأعتبر نفسي طيلة حياتي صاحب انفعالات لا صاحب آراء، إنني كالشاعر الذي يرسم لوحات أحيانًا، لكن في النهاية هو شاعر لا أكثر.
- تظهر كتاباتك غضبا من الأوضاع الحالية، كيف ترى الأوضاع السياسية والاجتماعية بعد ثلاث سنوات من الثورة؟
"زفت" طبعًا، نحن أسوأ بكثير مما كنا عليه في 24 يناير 2011، مازلت مؤمنًا بثورة يناير بطبيعة الحال، لكن عدد من يعتبرونها غلطة أو مؤامرة يتزايد يومًا بعد يوم.
- وهل تعتبرها الآن غلطة؟
بالطبع لا، قلت إنني مازلت مؤمنًا بها.
- من يتحمل مسؤولية الأوضاع المتردية.. الشعب أم صاحب القرار؟
لم نعرف قط حكومة رشيدة بارعة تسوس الأمور جيدًا، لكن الناس أخطأت وتعجلت نتائج الثورة جدًا لدرجة أنها دمرت ثورتها بيدها، ثم إن كراهية البعض للإخوان جعلتهم يأتون بعصر مبارك كاملًا من جديد ليجلس مكان الإخوان، هناك درجة عناد وعزة بالإثم لا توصف، لدرجة أنه عندما ينقطع النور لساعات اليوم يقولون: "برضه على قلبنا زي العسل!، هل هذه سياسة أم تعصب لفريق كرة قدم؟".
- لكن ألا تجد أن سياسات الإخوان كانت سبب في سخط الناس عليهم؟
الإخوان كانوا فشلة فعلًا، لكن الأمور تجاوزت الحد لتصل إلى درجة الإبادة العرقية، ليس هذا هو عقاب الفشل.
- هل ترى أن عصر مبارك عاد فعلا مرة أخرى؟
عصر مبارك عاد بشكل أسوأ في رأيي، هل من أجل هذا مات شهداء الثورة يوم 28 يناير 2011 وبعده؟
- صدرت آخر روايتك "السنجة" منذ ما يقرب من العامين هل تجهز حاليا لعمل جديد؟
بالتأكيد، هناك فكرتان أعمل عليهما في الحقيقة، لكني حَذِر وأتحسس موضع قدمي، "يوتوبيا" نجحت بشكل كبير، والقارئ لا يريد سوى أن أكتب نفس الرواية للأبد.
- ماذا تعني أن القارئ لا يريد سوى "يوتوبيا" للأبد؟
راقت "يوتوبيا" للقارئ ومست وترًا حساسًا، وهذه هي مشكلة العمل الناجح أن أي عمل تال له يخيب أمل القارئ الذي يكتشف أنه ليس ما قرأه سابقا، لفترة طويلة جدًا ظل القراء يلومونني على كل كتيب من ما وراء الطبيعة لأنه ليس "الجاثوم". "السنجة" جاءت أعقد نوعًا وفيها تداخل بين الواقع والخيال لم يفهمه البعض، فكرة الكاتب الذي يندمج في قصته لدرجة أنها تمتصه داخلها هي أقرب للواقعية الأسطورية اللاتينية، ويبدو أنها كانت صعبة برغم أنني كتبت "السنجة" من أجلها فقط.
- وصفت في مقال اختراع سي سي فاست بأنه يمثل قضية سياسية لماذا؟
بداية من الاسم وموعد الإعلان، وعدم وجود أي تفاصيل علمية، وكل هذا العك في شرحه، واستحالة الفكرة علميًا، هذه قنبلة دعائية لا أكثر وأعتقد شخصيا أنها تمت دون علم السيسي، هم بعض من أخذتهم جلالة النفاق وأرادوا كسب بعض النقاط، على كل حال 30 يونيو قادم، لو لم يعلنوا شيئا وقتها ولو لم يختف الإيدز وإلتهاب الكبد سي والصدفية من مصر، فأنا أرجو أن تتذكروا كلامهم وكلامي، المشكلة أن أحدا لا يتذكر أي شيء في مصر، ستكون هناك دوشة إعلامية وقتها عن موضوع آخر فينسى الناس الموعد.
- هل تجد قرار السيسى بتشكيل لجنة لتقييم هذا الجهاز صحيحا وفي وقته؟
طبعًا، وهو قرار حكيم يسعى لإنقاذ صورة الجيش.
- أيضا مع الإعلان عن هذا الاختراع فتحت في مقالاتك ملف العلاج بالسحر والأعشاب؟
كنت أكتب عن الأعشاب بهدف كشف الطب المزيف قبل إعلان الاختراع بأسبوعين، ثم أعلنوا عنه فهل أصمت؟ ولم أنكر لحظة أنني أعتبر اختراع العلاج طبًا مزيفًا.
- ولكن أصحاب هذا الرأى يوصمون بمعاداة الجيش.. هل واجهت هذه الاتهامات؟
لا أعرف في الحقيقة، لكن ليقل من يريد ما يريد، الأمر ليس خلافًا سياسيًا بل هو كلام طبي، والعالم يصغي لنا في استمتاع وسخرية، هل يجب أن أصمت في الحديث عن الطب، أيضا كما صمتت في الحديث عن السياسة؟
- هل تقصد الهجوم الذى تعرضت له عندما كتبت أن مشكلة العداء مع الإخوان خطيرة لأنهم جزء من نسيج المجتمع؟
طبعا، مع حالة الفاشية التي تسود المجتمع تعرضت لهجوم عنيف كما قيل لي، لكنني تعلمت منذ عامين ألا أقرأ أي تعليقات على مقالات الرأي التي أكتبها، ولأنني بطبيعتي لا أملك روحًا قتالية، فقد أوقفت نشر التعليقات تحت مقالاتي، وأعلنت أنني لن أكتب في السياسة ثانية، لا أحب الإخوان ومقالاتي كلها قبل الثورة تشهد بذلك، لكن يمكنك أن تكرههم دون أن تصاب بحالة السعار هذه، ودون أن تتمنى رؤية دمائهم تغطي الشوارع.
ما حدث هو أن ثلثي المجتمع المصري في حرب متوحشة مع ثلثه الآخر، ليس هذا لأن عدد الإخوان كبير، ولكن لأن هناك عددًا هائلًا من المتعاطفين معهم، وممن كانوا يرونهم "بتوع ربنا"، محلات طيور الرحمن، وألبان المدينة، ودروس تحفيظ القرآن في المسجد، والعقيقة بدلًا من السبوع، والخمار، والمدارس الإسلامية، والكلام عن الإعجاز العلمي، والدولة الدينية، وكتابات سيد قطب، وغيرها من الشواهد، وكل هذه الثقافة لن تلغي بضغطة زر، هناك جيل كامل رضع كراهية عبد الناصر وكنت أتلقى الشتائم منهم لأنني ناصري، فجأة بضغط زر صار أكثر الناس يمرون بحالة ناصرية صناعية لا أفهمها!
- هل تعيش مصر حالة من الاستقطاب الشديد؟
السؤال يحمل إجابته، طبعا لا أعرف كيف ولا متى سيلتئم الصدع، ربما بعدما يتعب الطرفان من الدماء ويفهم كل طرف أن محو الآخر مستحيل.
- أنت ترى إن المصالحة إجبار وليس اختيار؟
طبعا، إلا لو كانت هناك طريقة مؤكدة لإبادة أحد الطرفين.
- اعتبر كثيرون رواية "يوتوبيا" نبوءة لما سيحدث في مصر قبل ثورة يناير، هل كنت ترى الأمور تسير في هذا الاتجاه؟
بل مازلت أراها تسير بسرعة في هذا الاتجاه، أعطتني الثورة بعض الأمل، بل كثير منه، لكننا أفشلناها وقضينا عليها، نحتاج لعشرين عامًا حتى تنضج ثورة أخرى بهذه الروعة.
- لكن البعض يقول إن الفترة التي نمر بها طبيعية في عمر الثورات؟
وماذا عن الثورة التي قامت في رومانيا؟، هل هي تمر بمرحلة طبيعية أم هي انتهت بالفعل؟
- اسم "يوتوبيا" المدينة الفاضلة كان شديد التناقض مع أحداث الرواية التي تقوم على فكرة الطبقية والظلم؟
اختيار العنوان حمل سخرية واضحة من التناقض، كما نطلق مثلا اسم مدام "رفيعة" على سيدة بدينة جدًا.
- نعود للبدايات لماذا قررت الانتقال من الطب إلى الأدب؟
لم أنتقل أبدا، مازلت أحتفظ بقدم هنا وقدم هناك، أعني أنني محتفظ بصفة الطبيب وصفة الكاتب، لم أستقل من الكلية ولم أعتزل الكتابة في الوقت نفسه.
- لماذا اخترت الكتابة في أدب الرعب وهو ليس نمطا سائدا في مصر؟
لأنه شديد الجاذبية، ولأنني كنت أعشقه في طفولتي وصباي، تمنيت أن يكون هناك المزيد منه لذا قررت أن أكتبه بنفسي!
- لمن كنت تقرأ في المرحلة المبكرة؟
كنت أقرأ سلاسل "هتشكوك" المختارة، وطبعا أعمال "برام ستوكر" صاحب شخصية دراكولا، و"ماري شيللي" صاحبة شخصية فرانكشتين.
- شخصية رفعت إسماعيل بطلك الأثير بعيدة تماما عن سمات البطل التقليدي، وكذلك عبير بطلة "فانتازيا"، ما هي الفكرة؟
ببساطة لأنني أريد أن أصدق أن واحدًا مثلي لا يجيد قيادة الطائرات، ولا لعب التايكوندو يمكن أن ينجح، وأريد أن يصدق القارئ هذا الأمر أيضا.
- الأساطير المصرية في مغامرات رفعت إسماعيل قليلة، هل نعاني فقرا في موروث الرعب الثقافي؟
لا، لكن الجان يحتل مساحة شاسعة من عالم الرعب لدينا، والكلام عن الجان محفوف بالمخاطر لأنه يدخل في مناطق وعرة من السهل أن تخالف مفهومًا دينيًا مستقرًا.
- أي شخصية من أبطالك كانت الأقرب إلى قلبك وقلمك؟
رفعت إسماعيل طبعًا، إنه جزء مني.
- لماذا اخترت إفريقيا تحديدا كمكان للبعثة الطبية التي يعمل بها بطل سلسلة سفاري؟
كنت أعشق هذه القارة منذ صغري، وتمنيت أن أعمل طبيبًا في إفريقيا السوداء، وقررت أن أقدم أوراقي لولا أن عدم إجادتي للفرنسية كانت عائقا حقيقيًا، مشاكلنا مع القارة سببها أننا انسحبنا من موضعنا القائد الرائد الذي صنعه عبد الناصر، لقد دخلنا في مشاكل هوية لمدة طويلة جدا، وعندما أفقنا وجدنا أن أحدا لم يعد يخشانا أو يبالي بنا.
- هل كانت سلسلة سفاري فرصة للكتابة عن الطب تخصصك الأساسي بشكل مبسط وفي إطار روائي؟
طبعا.. كنت أعشق الروايات الطبية المثيرة medical thriller على غرار أعمال "مايكل كرايتون" و"باترشيا كورنويل"، وراقت لي فكرة دمج إفريقيا والطب في قصة واحدة.
- أعلنت وفاة أشهر شخصياتك الأدبية دكتور رفعت اسماعيل، هل يمكن أن تعود هذ الشخصية للحياة؟
مستحيل أن تعود الشخصية للحياة، لكن هناك حيلة أدبية مثل: "هذه بعض المذكرات التي وجدناها في درج رفعت إسماعيل ولم يحكها بعد"، ربما ألجأ لها في مرحلة ما.
- هل كان التوقف عن كتابة الشخصية التي بدأت بها حياتك ككاتب صعبا؟
لا أعتقد، لقد استنفذت الشخصية أفكارها ونشاطها ولم يعد لديها ما تقدمه، نفس القارئ يلومني على قتل رفعت اسماعيل، ثم يهاجم القصص الأخيرة ويقول إنني نضبت، فعلًا حان وقت التوقف، البعض يريد بقاء رفعت إسماعيل ليستمتع بأن يشتم قصصه، ويتهمها بالتفاهة والسطحية.