أحمد خالد توفيق.. صاحب النبوءة وقارئ أجنحة الفراشات
كتب- عبد الله غنيم:
كانت سلسلة "ما وراء الطبيعة" حدثًا كرفرفة جناح الفراشة، واجه الأطفال معها عالمًا مواز، وحوشًا ومصاصي دماء ومذؤبين، كانت مواجهتهم مصاحبة لرفعت إسماعيل، ذلك العجوز المدخن، ذي البزة الكُحلية، وأمراض الدم.
"أجنحة الفراشة" في روايات الجيب التي كتبها أحمد خالد توفيق، أنتجت جيلًا يعرف عن لافكرافت، والوحوش الأسطورية، والتركيبات الكيميائية، وقوانين الفيزياء، يعرف حتى عن طرق التعذيب في العصور الوسطى. شكلت كتابات توفيق وعي جيلًا كاملًا قرأ الملاحظات والهوامش التي وضعها في حواشي كتبه الصغيرة، تلك التجربة فتحت عوالم معرفة أخرى لمراهقين، دخلوا وراءها وبحثوا وكونوا تجربتهم المعرفية، وصار منهم كتاب ومؤلفين.
جناح الفراشة الذي رفرف في بدايات التسعينات، ترك أثرًا في الذين قرأوها أطفالًا، وكبروا معها حتى صار منهم صحفيون وكتاب، وأطباء أيضًا. في الفترة ما بين أول عدد لما وراء الطبيعة وأخر عدد، والتي تقارب 20 عامًا، كانت أجنحة لفراشات أخرى ترفرف في مصر والعالم، عرف خالد توفيق كيف يقرأها، وما العاصفة التي ستنتج عن تلك الرفرفة.
قرأ توفيق التفاصيل التي أثرت على الأوضاع حتى وصلت لما يقارب الأجواء في روايته "يوتوبيا" عام 2008، كانت عوالمه في الرواية مبالغة فانتازية للوضع وقتها، مدن جديدة للأغنياء، والفقراء في عشوائياتهم، البطالة والتضخم يأكلان كل شيء، انتهت الرواية بثورة الأغيار على مجتمع يوتوبيا الذي حصر نفسه في مدنه الجديدة.
كتب فيها على لسان "جابر" بطل روايته: "ثمة شخص جمع الأوغاد والخاملين والآفاقين وفاقدي الهمة من أرجاء الأرض في وطن قومي واحد هو مصر.. لهذا لا تجد في ألمانيا وغدًا.. لهذا لا تجد في الأرجنتين أفاقًا.. كلهم هنا يا صاحبي.. هأنتم أولاء يا كلاب قد انحدر بكم الحال حتى صرتم تأكلون الكلاب!.. لقد أنذرتكم ألف مرة.. حكيت لكم نظريات مالتوس وجمال حمدان ونبوءات أورويل وهـ. ج. ويلز، لكنكم في كل مرة تنتشون بالحشيش والخمر الرخيصة وتنامون".
وقال أيضًا، "الآن أنا أتأرجح بين الحزن على حالكم الذي هو حالي، وبين الشماتة فيكم لأنكم الآن فقط تعرفون.. غضبتي عليكم كغضبة أنبياء العهد القديم على قومهم، فمنهم من راح يهلل ويغني عندما حاصر البابليون مدينته.. لقد شعر بأن اعتباره قد تم استرداده أخيرًا حتى لو كانت هذه أخر نشوة له.. إنني ألعنكم يا بلهاء.. ألعنكم". وبعد ثلاثة أعوام قامت العاصفة التي غيرت موازين القوى في مصر، بل غيرت نوعية الأخبار والاهتمامات اليومية في مصر. وبالتأكيد هناك "جابر" يرقص في مكان ما بعدما حلت غضبته على الجميع.
لم يتوقف خالد توفيق، عند "ما وراء الطبيعة" -التجربة الأبرز في مساره-، بل أنه نشر مقالات في السينما والأدب، وتاريخ الرعب، وفي العلوم وتبسيطها، كما كتب في السخرية والإضحاك، لمحاولة إكمال التجربة التي بدأها مع مراهقي التسعينيات ليكتب مع قراءه كما كتب لهم، كتب الرواية القصيرة "يوتوبيا" وكتاب الرعب وموسوعة للرعب. واليوم يوافق عيد ميلاده الثاني والخمسين، صاحب التجربة الأبرز لتشكيل وعي جيل حالي من أبناء الـ25 حتى 35 عامًا.