لكل امرئ من اسمه نصيب، واسم إسعاد يونس تحول إلى رسالة صاغتها في أكثر من شكل، مرة على هيئة أغنية، أو عمل فني كوميدي، وفي وقت آخر تجد "الإسعاد" في كلمات ساخرة عبر مقال رأي.

صاحبة السعادة لم يكن لقب بالمصادفة، من يتتبع رحلتها مع الإبداع، ويركز مع كلمة التفاؤل التي ترددها دومًا، يكتشف أن تلك الفنانة تملك منذ البداية قرار بالسعادة، وحسب قولها: "هى مجرد لحظة.. لحظة في حياة إنسان عادي قد تعني الدهر كله.. قد تعني قرار شديد اللهجة يندم عليه، أو يسعد منه العمر الباقي".

المشهد الأول - بيت "الفن" يا بيتنا
الزمان – الستينات
المكان – بيت الضابط حامد جمال الدين يونس
الحدث – فرار من أمام شاشة التلفاز، تلك كانت ردة فعل تلقائية من الفتاة الصغيرة إسعاد يونس، عندما رأت لأول مرة ذلك الجهاز الأعجوبة – وقتئذ – يظهر من خلاله قارئ النشرة، في تلك اللحظة أدركت أن هذه الشاشة سوف ترتبط بها ارتباطًا وثيقًا.
 

"من اللحظة دي بوزي هيفضل ملزوق في الشاشة دي" - إسعاد يونس

لعبت الجينات الوراثية دورًا كبيرًا في حياة إسعاد يونس، نبدأ بالأب حامد جمال الدين يونس، أحد الضباط الأحرار، اهتم بفن الكتابة وبدأ يمارس العمل الصحفي في مؤسسة روز اليوسف، قبل أن يسافر ألمانيا مديرًا لشركة مصر للطيران، أما الأم كانت زميلة للفنان عبدالحليم حافظ في معهد الموسيقى العربية، والخالة مطربة في الإذاعة المصرية متزوجة من عازف كمان في فرقة كوكب الشرق أم كلثوم. 

أصدقاء العائلة نجوم في المجتمع المصري، الشاعر صلاح جاهين، وفاتن حمامة، وهند رستم، والكاتب أحمد بهاء، والمخرج عزالدين ذو الفقار. كل تلك العوامل المحفزة، تثبت أن البنات الثلاث (إسعاد – إيمان – احلام)، تنفسن رائحة الفن من مبدعيه. 

? ? ?

المشهد الثاني – على باب الإذاعة 
الزمان – السبعينات
المكان – إذاعة الشرق الأوسط

الحدث –  الشابة إسعاد يونس تحمل جهاز وأشرطة التسجيل وراء مذيعي الشرق الأوسط، في تسجيل البرامج الخارجية، مرحلة التعلم والتجربة في البدايات، جعلت الإذاعي طاهر أبو زيد، يدربها على "الصنعة" كما قال الكتاب، كانت تجلس في غرفة مغلقة تراجع أشرطة التسجيل، وتسجل إعلانات، تعد برامج، وعندما نضجت الثمرة، سمعها المصريون عبر أثير الإذاعة في برنامج "سينما 76"، مع الإذاعي إمام عمر. وبرنامج آخر بعنوان "أي كلام".

? ? ?

المشهد الثالث – عزت الألاتاوي
الزمان –  أواخر السبعينات
المكان –  شريط كاسيت

الحدث –  تجلس التلميذة إسعاد يونس في حضرة صلاح جاهين، وسيد مكاوي، الثلاثة يبدعون جاهين يكتب الكلمات، ومكاوي يلحن، وإسعاد تغني، ألبوم "عزت الألاتاوي" مختلف مثل صانعيه، الجيل الحالي يعرف أغنية "أبو زعيزع"، من الطفلة نور، في برنامج "عرب جوت تالنت"، لكن جيل السبعينات سمعها للمرة الأولى بصوت صاحبة السعادة. 

هل اكتفت إسعاد بالغناء؟.. تلك ليست صفات المغامر، شاركت صلاح جاهين في كتابة أغنية "عزت الألاتاوي"، وبعد ان سمع منها الإضافة نظر لها وقال: "والله حلو حلو يا بنت، عفريتة".

لم تتوقف محاولات الكتابة عند ذلك الألبوم، إسعاد يونس شاركت فرقة المصريين بكلمات أغنية "مبهورة بيك أنا"، غناء أختها الصغرى إيمان يونس، في ألبوم "بنات كتير" الذي صدر عام 1980.

مبهورة بيك أنا 
مفتونة من سنة 
و بعبّر عن عواطفي بمجرد دندنة 
دندنتي في السهر 
و على ضي القمر 
تسافر ويّا نجمة توصل كل البشر 
بيني و بينك صحاري 
وديان جبال براري 
لكن رمشي و رمشك إتجدلوا في العصاري 
مش حاسس بيّه لكن 
أنا حاسه بيك أوي 
و بروح و يّاك أماكن ف خيالي المنطوي 
لُقانا مستحيل 
و لافيش عندي البديل 
غير إني أفضل أدندن لحن و يكون أصيل 
بقابلك في الخيال 
و بسألك سؤال 
إمتى عيوني و عيونك ينتصروا علــ مُحال    

? ? ?

المشهد الرابع – الحياة حلوة
الزمان – التسعينات
المكان –  عقل إسعاد يونس

الحدث -  "النهاردة أول يوم من عمري الجديد"، تلك هي القاعدة التي تنطلق منها إسعاد يونس للحياة، منذ أن تمت الأربعين عامًا، تخلصت من الإحساس الحزن على العام المنقضي، نحو عشرون عامًا بعد هذا القرار، تتنفس صاحبة السعادة "أكسجين الحياة" دون قلق من فكرة الموت.

ولإسعاد فلسفتها الخاصة في الحياة، فكيف تواجه الصراعات؟.. الإجابة في كلمة واحدة بـ "النوم"، تلك كانت النصيحة التي قدمتها لمن يكرهون إسعاد يونس، لأن القرار بعد الاستيقاظ يختلف.

? ? ?

المشهد الخامس – بالورقة والقلم
الزمان – الألفية الجديدة
المكان –  ورقة بيضاء في مكتب إسعاد يونس

الإذاعة.. الغناء.. التأليف.. النجاح السينمائي.. وبكيزة وزغلول في منطقة نجاح خاصة، كل هذا لم يمنعها من كتابة مقال الرأي الساخر من تناقضات المجتمع، في فترة التسعينات كان البحث عن "مجلة الشباب" إحدى وسائل التواصل مع إسعاد يونس من خلال مقالاتها، والذي تم تجميعها بعد ذلك في كتاب ساخر اسمه "مذكرات نورا المذعورة"، في هذا الكتاب ناقشت فكرة الحرب، والإهمال الطبي، والزواج.. إلخ. كما صدر لها كتاب آخر بعنوان "حلم الحريم كلهم".


لها عدة مقالات في صحيفتي المصري اليوم والشروق، جمعت بين الفصحى والعامية الراقية، رأت العالم بعيون طفلة صغيرة عندما كتبت: "عالم الكبار غريب ومحير وغامض وكئيب ومنفر، فأحاديثهم هي صب اللعنات على الحاضر المنيل بستين نيله".

وشكلت حزبًا للزهقانين من الإدعاء والكذب دستوره "إحنا الناس اللى عشنا فى هذا البلد فى عزها.. شفناها منورة بثقافتها وتراثها وكتابها وصحفييها ومطربينها وأفلامها وحضارتها الفرعونية والإسلامية والقبطية والإغريقية.. وآثارها وفولكلورها ورقصاتها ومواويلها وقصايدها وشعرائها.. أوبراها وكونسيرفاتوارها وباليهاتها حتى علماء أزهرها وكنيستها كانوا نجوم.. سياسيينها ووزراءها.. إعلامها واستعلاماتها.. نشرها ومطبوعاتها.. مسرحها وإذاعتها.. كل حاجة كل حاجة".