ديناصورات أكبر وشخصيات أصغر في Jurassic World
"مشاهدة الديناصورات في حد ذاتها كانت مبهرة للجمهور منذ سنوات لكنها لم تعد كذلك. الأطفال حاليا يشاهدونها باعتياد كما لو كانت مجرد أفيال. نحتاج إلى ديناصورات أضخم وأسرع وبأسنان أكثر".
بهذه الجمل تتحدث شخصيات فيلم Jurassic World في بعض المقاطع، عن ضرورة تطوير حديقة الديناصورات لاجتذاب الجمهور لزيارتها من جديد، لكن يمكن اعتبار نفس الجمل تلخيصا لأزمة صناعة فيلم رابع من السلسلة، بعد 22 عاما من فيلم سبيلبرج الأول Jurassic Park 1993 و14 عاما على عرض الجزء الثالث.
عام 1993 كان الجرافيك لا يزال في مهده ومشاهدة ديناصورات بمصداقية على الشاشة خالية من عيوب تقنيات الـ stop motion العتيقة، كانت مصدر بهجة ودهشة وإشباع في حد ذاتها. الآن بعد أفلام مثل The Lord of the Rings - Avatar - Life Of Pi انتقلت فيها ألاعيب الإبهار إلى مراحل أعلى، لم تعد الديناصورات بصريا مصدر إبهار ودهشة استثنائية كما كانت. الآن وصلنا إلى مرحلة متقدمة، نشاهد فيها وحوش وديناصورات بدرجات قريبة من الاتقان الهوليوودي في جرافيك الفيديوجيم.
كولين تريفورو مخرج Jurassic World يدرك جيدا أن فيلمه في النهاية لن يغير قواعد اللعبة، كما فعل سبيلبرج في فيلمه الأول، ويسعى هنا إلى تقديم مغامرة ممتعة جديدة لجمهور السلسلة ليس إلا، تحت إشراف سبيلبرج كمنتج منفذ.
لتحقيق ذلك استنسخ مشاهد ولمسات عديدة من الفيلم الأول كلمسة تحية لبراعة سبيلبرج في إخراجه، وكلمسة بهجة أيضا لإثارة مشاعر النوستالجيا لجمهور السلسلة.
ضمن هذه المشاهد مشهد في منتصف الأحداث يلخص إلى حد كبير مشكلة تريفورو والفيلم والاستنساخ. ديناصور ضخم يهاجم شخصا، قبل أن يفاجئك المخرج بديناصور أضخم وأشرس، يلتهم الديناصور الأول.
متعة نفس المشهد في الفيلم الأول لسبيلبرج، قائمة دراميا وعاطفيا على سعادتك كمتفرج بنجاة الشخص من الهجمة بفضل المفاجأة. المتعة هنا أقل لأن الضحية في الحقيقة لا تنجو من الهجمة!
ضعف التواصل العاطفي للسيناريو والمخرج مع الشخصيات، المشكلة الأهم في Jurassic World لأن الفيلم في الحقيقة جيد جدا من حيث مشاهد الحركة والمطاردات والديناصورات. جيد بشكل يليق بفيلم هوليوودي ضخم آخر من فئة ميزانيات الـ 150 مليون دولار.
القصة استكمال للفيلم الأول. حديقة الديناصورات تم افتتاحها بالفعل في جزيرة أيلا نوبلار للجمهور بنجاح منذ سنوات، رغم فشل المحاولة الأولى. وتستقبل يوميا آلاف الزوار، بعد أن انتقلت ملكيتها إلى ملياردير جديد يسعى هو وفريقه لابتكار فصائل ديناصورات جديدة، أضخم وأسرع وأشرس لاجتذاب جمهور أكبر.
باقي الأحداث تسير بنفس الشكل المتوقع. الديناصورات الهجينة تخرج عن نطاق السيطرة. الزوار في خطر. الضحايا تتساقط. البعض يحاول أن يهرب. البعض يحاول السيطرة على الموقف وإنقاذ الآخرين. البعض يحاول انتهاز الأزمة لتحقيق مكاسب شخصية.. الخ.
الطريف أن رسالة الفيلم تتعلق بالجشع، وبإصرار البعض على تكرار المحاولة لتحقيق مكسب بأي ثمن، وهي رسالة لا تخلو من كوميديا غير متعمدة، بسبب تناقضها مع فيلم رابع ضخم الميزانية، تم إنتاجه بالأساس بفضل النجاح التجاري لسلسلة، ويظهر فيه طوال الوقت توظيف إعلاني مدفوع الأجر أو Product placement للعديد من الماركات والشركات الكبرى مثل سامسونج - مرسيدس - ستاربكس.. وغيرهم.
فاز تريفورو بطاقم تمثيلي جيد جدا ورغم هذا لم يستفد منه بما يكفي. يتضح هذا مع دور كريس برات بالأخص. النجم الذي استفاد وأفاد الكثير مع فيلم مارفل Guardians of the Galaxy الصيف الماضي، يقدم هنا أداء جيدا بنفس روح المغامر صاحب الكاريزما، لكن نمطية الأحداث والشخصيات والحوارات ككل، انتهت بخطوة أقل في مسيرته كنجم.
نفس الشىء يمكن قوله عن فينسنت دونوفريو. الممثل الممتاز القادر دائما على خطف الأضواء من النجوم مهما صغر دوره، كما فعل مؤخرا في أفلام مثل The Judge - Run All Night، تم استهلاكه هنا في دور شرير تقليدي لا يضيف الكثير له أو للأحداث.
اقرأ أيضا: ليام نيسون وماراثون أكشن ليلي في Run All Night
حتى نجمة الفيلم برايس دالاس هوارد التي فازت بمساحة زمنية وتركيز درامي أعلى من الباقين، انتهت بدور باهت، خصوصا مع إصرار السيناريو على صناعة علاقة رومانسية غير مقنعة.
قد يتساءل البعض، وما أهمية ما سبق في فيلم نجومه الديناصورات في جميع الحالات؟.. الإجابة وبنفس الطريقة: لماذا يستثمر الفيلم إذا الكثير من الوقت في بناء شخصيات وعلاقات لن يستفيد منها؟!.. دعك طبعا من أن جزءا من سر صمود شعبية الفيلم الأصلي، يعود بالأساس إلى الشخصيات.
اقرأ أيضا: أفلام تحدت الزمن - Jurassic Park 1993
طاقم السيناريو يضم بالإضافة إلى تريفورو، الزوجين ريك جافا وآماندا سيلفر. الثنائي الممتاز الذي أعاد الميلاد لسلسلة كوكب القرود مؤخرا، بسيناريوهات ممتازة لـ Rise of the Planet of the Apes - Dawn of the Planet of the Apes لدرجة جعلت المخرج جيمس كاميرون، يختارهما للمشاركة في كتابة الأجزاء القادمة من Avatar.
من المؤسف أن النتيجة النهائية في Jurassic World تفتقد إلى أحكام وترابط عملهما في سلسلة كوكب القرود. ومن المؤسف أكثر أن إعادة الميلاد هنا مجرد إعادة استنساخ من أول فيلم، بدلا من ابتكار روح وخط ومسار مختلف، يمتد إلى الأصل بعلاقة قوية، دون أن يصبح مجرد ظل. وهى المهمة التي نجح فيها باقتدار صناع الفيلم الممتاز Mad Max: Fury Road المعروض حاليا.
اقرأ أيضا: ماكس المجنون يعيد هوليوود لصوابها في Mad Max: Fury Road
على كل بعد محاولتين فاشلتين أحدهما لسبيلبرج نفسه في The Lost World: Jurassic Park 1997، لتقديم مغامرات في نطاق مختلف خارج حديقة الديناصورات نفسها، لا يمكن لوم صناع الفيلم على قرارهم بالعودة للأصل، واللعب في منطقة آمنة هذه المرة.
النتيجة النهائية تتساوى مع الفيلم الثاني لسبيلبرج 1997 وأفضل بكثير من الثالث 2001 للمخرج جو جونستون. وان كان الفيلم كعادة غيره هذة الأيام لم يستفد شىء يذكر من تقنية الـ3D.
رغم كل العيوب السابقة، جمهور سلسلة Jurassic Park على موعد مع لمسات نوستالجيا لا تنتهي للفيلم الأصلي، ومطاردات ومشاهد أكشن مثيرة، مع (ديناصورات أضخم وأشرس وأسرع وبأسنان أكثر) كما وصفت مديرة الحديقة!
إذا كانت نوستالجيا وذكريات الفيلم الأول غايتك، والديناصورات الشرسة طلبك، لا أعتقد أن Jurassic World سيحبطك. لكن لا تنتظر متعة وتسلية الفيلم الأول، أو عمل له رونق مميز يصمد في الذاكرة.
باختصار:
إعادة استنساخ لنفس البناء الدرامي لـ Jurassic Park 1993 بمطارداته وتفاصيله، مع ديناصورات أضخم وأسرع وأشرس، وشخصيات أقل جاذبية وحضورا ورونقا.