التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 12:16 م , بتوقيت القاهرة

فرصة أخيرة

- يسهر إلى ما بعد أذان الفجر، يُصلي ويبكي ويبتهل، ثم ينكب على ما بحوزته من كتب وأوراق، فهي الفرصة الأخيرة للاطلاع وغدًا الامتحان.


- يمسك يدها وعينه غارقة بالدموع يتوسّل، لو أنها تُشفى يا ربّ، فرصة أخيرة لأهتم بها كما يجب.


- يراها وقد تجاوزت قصة حبّها معه وتجاوزت جلّ ما مضى، تضحك وتعمل وتحيا بكل نشاط وسعادة، فيندم ويتحسّر ويرسل لها "مسج" قائلاً: فرصة أخيرة؟


الكثير منا يُفكر بجملة "فرصة أخيرة"، فيتحفز ويزداد إفراز الأدرينالين لديه، يُدرك أن ما قد فات لن يشبه القادم فيؤمن وقتها بالتغيير، يفطن أو يتذكر أن هناك شيئًا ما يملكه والآن سيذهب، فيشعر بأنه ذو قيمة عالية، يلحقه وبقوة يركض وراءه لاهثًا ليمسك به، وفي الغالب لا يُدركه حينها، فالفرصة الأخيرة دائمًا تأتي بعد فوات الأوان، فهي لا تُدعى أخيرة لأن لا فرص بعدها، وإنما هي أخيرة لأنها لا تأتي!


جميع مشاكلنا تكمُن دائمًا في كوننا نركض ليل نهار خلف ما لم نحصل عليه بعد، فنفقد الإحساس بما حولنا، لأننا نحيا بلا قناعة، مهما بلغ منّا الحلم مبلغًا وأصبح تحقيقه ممكنًا، سرعان ما نتطلع إلى حُلم أبعد ونفقد لذة النجاح بما حققنا، ووسط حياة أصبحت تعج بالأفكار والناس والأحلام، فقدنا أدنى معاني السعادة، فهي فكرة "الممنوع المرغوب" التي تُنغص عيشنا وتكدره، حتى وإن كان هذا الممنوع أبعد مما نريد أو أقل مما نحلم.


ولذلك دعني أقول لك يا عزيزي:


لا يوجد شيء اسمه فرصة ثانية، فجميع الأمور ستتضح تمامًا من المرة الأولى، انظر حولك جيدًا إلى الأشخاص بجانبك، إلى مكان عملك.. إلى أعمالك، وتخيّل أنك ستستيقظ في الصباح مجرّدًا من كل ذلك.. هل هذا سيحزنك؟ هل ثمة شيء ما تود عمله أو قوله ربما لأحدهم ؟


هل تتخيل أن هذا من الممكن أن يحدث فعلاً ؟ وبدون أي مقدمات، ربما غدًا صباحًا أو ربما بعد ساعة من الآن، فـ الحصول على الأشياء يحتاج الكثير من الوقت والمجهود أما خسارتها فلا تحتاج أي شيء مطلقًا.


فمفهوم الفرصة الأخيرة هو رفاهية و"أوبشن" غير موجود في أغلب الأوقات التي نحتاجه فيها، قد تؤجّل عملاً صالحًا إلى الكبر وينتهي أجلك بعد عام، وقد تكتم في قلبك شيئًا ما لأحدهم، فلا تجده بعد ذلك موجودًا لتخبره به لاحقًا.


ربما شعرت الآن بأنك تملك كنزًا لا يُمكنك الاستغناء عنه أو العيش بدونه، وطالما هو بين يديك الآن فلتحيا به وتستمتع وتشعر بقيمته ولتدرك جيدًا أنه إن ذهب لن يعود. أما إن وجدت أن جميع ما لديك الآن لا يستحق الاهتمام أو لا يُرضي طموحك، فاتركه ولا تعبث بأحلامك وحياتك ولا بحياة الآخرين.


لربما يوجد غيرك من يتمنى وظيفتك الحالية، أو تلك الفتاة التي لم تعد تحرك فيك ساكنًا اهجرها، لربما وجدت من يعشقها وتعشقه. ولتنطلق أنت لتبحث عن فرصتك الذهبية، فرصتك الوحيدة التي ستأتيك مرة واحدة في العمر هي الأولى و الأخيرة، فتجد نفسك بها ولها، فرصتك التي تؤمن بأنها لك، فتحافظ عليها عندما تدركها وليس عندما تفوتك، لأن الحياة قصيرة جدًا.. أقصر مما نتخيل، وأغلى من أن نعيشها بين ما لا نستطيع إدراكه وما ضيعناه.