نوستالجيا المصيف
"يارموشها.. حلوة وزي السيف.. يارموشها.. قادرة وقلبي ضعيف.. وخاصمني النوم يعني بنام تخاطيف".
هكذا كان صوت إيهاب توفيق يملأ المصيّف، ورائحة اليود في كل مكان، بينما ننظر من السيارة؛ لنسترق نظرات سريعة للبحر، ونتحمس استعدادًا للمغامرات أو بمعنى أصح "المصائب"، التي سنرتكبها طوال المصيف، وعلى الرغم من مرور الكثير من السنوات على هذه الأيام، إلا أن ذكريات المصايف لا يستطيع أحد أن ينساها، فإذا أردت أن تتذكر "فضائح" تلك الفترة أكمل قراءة هذا الموضوع.
بكرة السفر.. بكرة
تلك الليلة مباركة ولها طقوس خاصة، تبدأ عندما تُخرج الأم المايوهات والعوامات "البطة"، ونتسابق للبس المايوهات ونفخ العوامات وعمل بروفة ع السريع للعوم في البحر، حتى يأتي الأب "بالعيش الفينو والجبن والكفتة والفراخ البانيه"، وجبة السفر الرسمية والتي غالبا ما ننساها، وبعدها نسمع مجموعة جمل تتكرر تقريبًا كل مصيف:
- فضوا العوامات دي إحنا مش هناخدها منفوخة كده.
- ناموا بدري عشان هنصحى الساعة 5وعمرنا ما بنسافر في الميعاد ده أبدا.
- اللي مش هيصحى هنمشي ونسيبه.
- أوعوا تنسوا إزازة المية.
- ادخلوا الحمام قبل ما ننزل عشان مش هنقف لحد في الطريق.
- مش هناخد عجل معانا كده كده بتسيبوه وتروحوا تأجروا.
- اتأكدوا أنكم قفلتوا الحنفيات كويس.
حلوة يازوبة.. طعمة يازوبة
بعد التحضيرات تأتي هذه المرحلة، والتي يتقمص فيها الوالد دور المرشد السياحي، ويشرح المعالم السياحية التي سنزورها، ودروس الدراسات التي سندرس فيها كل تلك المعالم، وعلى ذكر الدراسات تأتي سيرة النتيجة، والتي كانت "نص نص"، وأننا "لازم نشد حيلنا شوية"، وعندما يتحول الحوار لتلك النقطة نتحول نحن للنوم، ولا نستيقظ إلا بـ"زغدة" من إحدى أخواتنا لتقول: "أصحى.. البحر أهو.. إحنا وصلنا"، وقتها تشعر أن المغامرة تنادينك، تلك المغامرة التي ستجعلك "تستندل" وتترك أمك مع الحقائب والتنظيف، وتذهب أنت للبحر، وإن لم تستطع الذهاب فـ"الزن"المتواصل هو الحل الأمثل.
دقّوا الشماسي
أنت الآن تدخل الشاطئ كالفاتح الذي انتصر بـ"الزن" على أهله وأحضرهم للبحر بعد مرور ساعتين فقط من وصولهم، وهذا لا يجعلك تتخلى عن ندالتك، بل ستترك والدك "يدق الشماسي"بمفرده، وتجري أنت ع البحر، لتبدأ في تنفيذ خطة "رزالة" مُحكمة ضد أخوتك، فمنهم من تفتح له "بلف" العوامة فيبدأ في الصراخ، ومنهم من ترميه بكرات الرمل فـ"تلبس" في شعره، وعندما تعقد معهم هدنة صلح، تطلب منهم عمل سباق للـ"براميل"، ثم تتركهم وترجع لوالدك تتطلب منه النجدة لأن أخوتك تقريبا "بيغرقوا".
"البحر.. بيجوّع"
غداء البحر كان يتحول في يد أي طفل لكتلة من الرمال مخلوطة بماء البحر، ومن منطلق "البحر بيجوع" لن تكتفي أبدا بالطعام الذي جلبته والدتك، فلابد من فريسكا وتفاح بالعسل ولب وبسكوت وشيبسي، وبعدما "تملى التانك" يبدأ "الزن" لالتقاط الصور على الحصان وبزي الفارس وشراء طائرة ورقية وراكت وجاروف جديدا، كثيرا ما تنساه على الشاطئ، ففي غضون يومين فقط يصبح والدك معروف بالاسم عند كل بائعي الشاطئ.
ابحث مع الشرطة
مين اللي معاه مفتاح الشاليه؟ هذا السؤال تعجيزي أكثر من أسئلة الثانوية العامة، فبعد يوم طويل في البحر وأجساد مجهدة تحولت "لفسيخ" مخلل من البحر والشمس، علينا البحث عن مفتاح الشاليه، والذي ينتهي بضياعه وترتفع أصوات و"شبشب" الأب والأم، وعقابًا لنا نُحرم من الخروج ليلا وتأجير العجل.
"ياكنزي وكل ما ليا ...حياة قلبي ونور عيني...جمال الدنيا في عنيا..".
خروجات المصيف الليلية لها طقوسها الرسمية، منها سماع عمرو دياب بأعلى درجة صوت ممكنة، والجلوس في شنطة العربية، وتأجير العجل، وأكل الآيس كريم والبيتزا الشرقي والفطير بسكر ودخول سينما صيفي؛ لتشاهد جميع الأفلام المعروضة في عرض واحد، مما يجعلك "تبات" تقريبا في السينما.
أما الأمهات و"الأبهات" يقضون المصيف في شراء الـ"شباشب" الصيفي والتشرتات ولوازم المطبخ من "كوبايات وصواني" على الرغم من قرارهم الحاسم أنهم "مش هيشتروا حاجة من هناك".
المصيف والنوم "دونت ميكس"، فحتى بعد البحر والخروج، اليوم لم ينتهِ بعد فهناك أهم ما في المصيف "لعبة الشايب"، التي كانت ستدمر أسرة، تشرد أطفال كثيرة بسبب ما تفرضه من أحكام، فمنها مثلا من حكم عليه بالدفن في الرملة، وكل من يمر عليه يحييه بـ "قفا" محترم، ومنهم من حكم عليه ببيع العنب على كل من هم في الشاطئ، وأغرب الأحكام هو الوقوف أمام نخلة ورميها بالطوب مع غناء "يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح"، وطبعا إلى جانب اللعبة بدون كلام واستغماية وغيرها الكثير حتى يقترب الفجر، ونذهب لنشاهد شروق الشمس على البحر.. فالمصيف ذكريات لا تنتهي.