التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 01:04 ص , بتوقيت القاهرة

في ذكرى الخال.. عتاب محبة إنصافًا للكلاب

وجلس مُستندا للحائط الرطب يُدخِن بقايا سيجارته "البلمونت"، مختلطة برائحة العرق والرطوبة في زنزانته الضيقة، وراح يكتب كلماته التي خلدته وخلدهما معـًا التاريخ:


من يمدحه يطلع خاسر ويشبّروله أيامه
يعيش جمال عبد الناصر يعيش بصوته وأحلامه
( في قلوب شعب عبد الناصر )
مش ناصري ولا كنت في يوم بالذات في زمنه وفي حينه
لكن العفن وفساد القوم نساني حتى زنازينه


اقرأ أيضا



قطّع صوت أنين تعذيب الزميل بالزنزانة المجاورة حبل أفكاره، فأطرق أرضًا، وتساءل تُرى من الذي يئن ويتسلل صوته عبر أحجار الزنزانة والفتحات الحديدية الضيقة في الباب الموصد؟


هل هو الفاجومـي أم إمام عيسى أم زين العابدين فؤاد أم تراه نجيب سرور؟ أم هو أحد الرفاق مَن لم تجمعنا مواقف على الأرض وجمعتنا الأرضية الحمراء وأفكار ماركس، ظَل السؤال عالقا في ذِهـــن الخال منذ الستينات وحتى هذه اللحظة التي كتب فيها قصيدته (كَان لي أَخ) التي تجرد فيها وتبرأ من كل تُهمة سبق وإن لاحقته من فم من دعاهم رفاقًا بكونه (مطبلاتي) و(ابن النظام)، فلم يقع في فخ التهليل لهم أو حتى الثقة فيهم لحين إشعار آخر كما فعل كثير من رفاق الدرب وعادوا أدراجهم وهجوهم بعد مدح.


كان ثابتا واضحا حين قال:


كلاب بتخدم كلاب يا زبالة الدنيا
أولنا ست البنات فضيحتكوا في الميدان


وعورة إنسان فقير عريتكوا في التانية
وثيقة للعنـف مختومة بدم شهيد. 


وعليها رسمة لغلبان قلعوه توبه
يارفقة الثورة لسة الفجر نوره بعيـــــد


لم يقع في فَخ الغباء السياسي وســـوء التقدير، الذي سقط فيه السواد الأعظم من النُخبة بل من العَـوَام أيضًا. كان واضحًا، جانبه الصواب فقط في الإساءة للكلاب في رأيي، فَمـــن طبائع الكلاب المعروفة والمُتفق عليها في عِلم الحيوان هو اتصافها بالوفاء، بل هي تزُود بأرواحها فِداءً لأصحابها.


 ولنا عِبرَة في الماضي القريب جدًا، حيث قصة الكلب البطل ماكس، الذي دافع عن صاحبه ومات مُقطعًا بالسكاكين فداءً له. لم يتخلَ ماكس عن صفته كـَ كلب ويقف ويهز ذيله في خنوع ويتمسح بالأقدام قائلا: أنا مجرد قطة أليفة يا مَليكي العظيم سيد عالم القِطط  لا يغرنك منظري أنا قط.. قط هل أموء لك؟ أم أتشقلب؟ أنا خادم عالم السنوريات الأمين، وقد تخلى عني صاحبي لكوني أؤيدكم وأقف في صفكم عاشقًا لمبادئكم العظيمة تحت علم القطط الذي يكفل لي الحماية والأمــــان لم يقلها الكَلب ماكس.


لم ينتصر لعالم السنوريات ليعيش فيه لقيطًا هروبًا من شرف عالم الكلاب الوفية الذي لَفَظه كالجَرَب، عاش ومات كلبًا وفيًا مُخلصًا لبني جنسه معشر الكلاب الأوفياء، فلم يدعهم يوما للتظاهر أو الاعتصام، ودفعهم دفعا لأتون الموت وتركهم متخليا في خِسة مُقبلا أرض حديقة القِطط ناجيًا بنفسه.


ماكس عن الكلاب- عن كل الكلاب- أيقونة وفاء يا خال، أعتب عليك وأنت بعيد، لِمَ نَعَت هؤلاء الخَوَنة وشبهتهم بهذا الكريم الغالي، أُعاتبك عتاب حُب وشوق لكلماتك وصوتك المقسوم نصف من طين الصعيد ونصف من نيل جارٍ إلى مالا نهاية.


في ذكرى الأربعين يا خال أدعو لك من قلبي بالغفران وأُطمئنك أَننا لم ننساك، فأنا أعرف أنه كان هاجسك الأكبر أن ننساك، وكنت أتمنى وجودك بيننا اليوم لترى من يقفون عرايا من مصريتهم يقفون كاشفين عوراتهم أمام الدنيا في مشهد ينافس أشد مشاهد البلاي بوي إباحية ورُخصًا.


وأتساءل في سري وعَلنــــــي لماذا لم تتنازل عن جنسيتك يا خال في عهد ناصر؟ لماذا لم يفعلها نجيب سرور؟ لماذا لم يفعلها الفاجومي الذي نافست قصيدته قصيدتك في مدح من سجنكم ونكل بكم؟ وعهدي بكم لستم من ضحايا ستوكهلم سيندروم.. عشتم رجالا ومُتم رجالا.


لماذا لم تتنازلوا وتتعروا وتنتموا لعالم القطط ؟


سؤالي يعكس ملايين المبادئ والمشاعر والشعارات في حِب السِت مصــــر بين وَفْـــي صادقِ وقِط جبان، وأعتذر أيضًا لعالم الحيوان قاطبة عن إسقاطي بالتشبيه، فهم الأنظف والأصدق شعورًا والأوفى رغم كل شيء.


قصيدة كلاب بتخدم كلاب بصوت الراحل الأبنودي