التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 05:46 م , بتوقيت القاهرة

ظهور العذراء مريم في مصر حقيقة أم وهم؟

في مساء الثلاثاء 2 أبريل عام 1968، لاحظ الخفير المكلف بحراسة جراج مؤسسة النقل العام بمنطقة الزيتون، ويدعى عبدالعزيز علي، أنه رأى جسما نورانيا فوق قبة كنيسة العذراء بشارع طومان باي، فأخذ يصيح بصوت عالٍ: "نور فوق القبة"، ونادى عمال الجراج، فأقبلوا جميعا وحدقوا النظر، ليجدوا فتاة ترتدي أبيض وتشع نورا.



ارتفعت صيحاتهم إليها خوفا أن تسقط، وظن البعض منهم أنها فتاة تنوي الانتحار، فصرخوا لنجدتها، وأبلغ بعضهم شرطة النجدة، فتجمع المارة من الرجال والنساء، وأخذ منظر الفتاة يزداد نورا ويشتد ضياء، وكانت تمسك في يدها بعض أغصان شجر الزيتون، وفجأة طار سرب حمام أبيض فوق رأسها، وحينئذ أدركوا أن هذا المنظر مخالف للطبيعة، ولكي يقطعوا الشك باليقين، عزموا على تحطيم المصابيح الكهربائية بالشارع والقريبة من الكنيسة، فبدت الفتاة أكثر وضوحا، وأخذت تتحرك وحولها هالة مشعة، حينها أيقن الجميع بأن الفتاة التي أمامهم هي دون شك "مريم العذراء"، فعلى التصفيق والصياح والتهليل، مرددين: "السلام عليكي يا مريم".



استمر ذلك التجلي عدة ليال متعاقبة، وإلى بضع ساعات دون توقف أمام عشرات الآلاف من المصريين مسلمين ومسيحيين، يشيرون إليها ويتشفعون بها في ترتيل وابتهال ودموع وتهليل وصلاة.



هذه هي الرواية التي تتناقلها معظم الأجيال السابقة عن الظهورالأول للعذراء مريم في مصر، وكثرت الأقاويل عن تجليات روحانية أخرى للعذراء على مر العقود السابقة، حيث ظهرت يوم السبت 21 أغسطس عام 1982م، فوق هيكل كنيسة العذراء بإدفو التابعة لإيبارشية أسوان.


كما تجلت مساء الثلاثاء 25 مارس 1986، بين قباب الكنيسة القديسة دميانة بشبرا، وشاهدها سكان المنازل الخلفية بحجمها الطبيعي الكامل، واقترن هذا الظهور بمعجزات الشفاء لكثير من المرضى، الذين توافدوا عليها طلبا للشفاء من أمراض مستعصية، عجز الطب عن علاجها. وأصدرت الكنيسة بيانا أكدت فيه ظهور العذراء مريم استنادًا على كلام الآباء والكهنة والرهبان، مع عدد كبير من أبناء الشعب الذين شاهدوا التجلي.


عام 1988، حدث ظهور آخر للعذراء على جبل أسيوط، وأجمع الكثير من شهود العيان أنها ظهرت مرات عديدة، ولأعداد كثيرة من الناس، وبالشكل المعروف بها كطيف يتهادى على قمة الجبل لمدة ساعتين، حيث يعتبر الجبل الغربي بأسيوط هو أقصى بقعة وصلت إليها العائلة المقدسة في رحلة هروبها من "هيرودس" الملك.


وفي يوم الخميس  15 ديسمبر عام 2009، كان التجلي الأخير للعذراء مريم في مصر، حيث تجمهر عشرات الآلاف من أطياف الشعب لمشاهدة ظهور العذراء فوق القبة الوسطى لكنيسة الملاك ميخائيل بالوراق، فارتفعت الزغاريد والتهليل والصلوات، كما التقط المحتشدون العديد من الصور للتجلي بكاميرات الموبايل والفيديو لتوثيق الحدث. ومن شدة الزحام أجرت المقاهي المجاورة للكنيسة الكراسي للجماهير في الشارع، حيث كان حشد لم يسبق له مثيل.



ظهور العذراء حقيقة


أثار الظهور الأخير للعذراء في مصر جدلا واسعا حول حقيقة تلك التجليات، التي تحدث فوق بعض الكنائس المصرية.


فقد أكد البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية الراحل، في عظته الأسبوعية، أن ظهور العذراء الأخيرة بكنيسة الوراق حقيقة واضحة شاهدها الآلاف من المسلمين والمسيحيين، مضيفا: "إنكار البعض لها لا يعني أنها لم تظهر"، مقررا إصدار بيان رسمي عن الكنيسة يؤكد ظهورها.


وتابع البابا: "أقول لمن ينكرون الظهور من باب أنه لم ترد عنها إشارة في الإنجيل، أن الكتاب المقدس تحدث عن الأمور التي وقعت فى القرن الأول للمسيحية وعصر الرسل، أما الباقي فلم يذكره، لأنها جاءت بعد زمن كتابته"، لافتا إلى وقوع الكثير من العجائب بعد نزول الكتب السماوية لم تذكرها هي، وإنما ذكرها التاريخ.



الإنجيليون طائفة لا تعترف بالظهور


كانت تصريحات رجال الطائفة الإنجيلية مغايرة تماما لتصريحات البابا شنودة، حيث انتقد القس صفوت البياضي، رئيس الطائفة الإنجيلية التصريحات، واصفًا ظهور السيدة العذراء مريم بأنه "سفه للضحك على عقول البلهاء والبسطاء".


وأضاف: "نحن نقدر العذراء مثل سائر المسيحيين والمسلمين، لكن ليس معنى ذلك أن تظهر للناس كما تروج الكنيسة الأرثوذكسية، فهذا الظهور لا أساس له من الصحة، وهذا ما تؤكده المقاطع المصورة التي تم التقاطها إبان ظهور مجرد ضوء باهر أو فلاشات قوية بواسطة ليزر"، موضحا "أن العذراء لم ولن تظهر ولا مرة واحدة منذ عهد السيد المسيح".



كما صرح إكرام لمعي، نائب رئيس الطائفة الإنجيلية: "الكنيسة القبطية تحاول إثبات صحة معتقداتها بترويج تلك المعجزات، بدليل أن الحديث عن ظهور العذراء لا يوجد إلا عند الأقباط الأرثوذكس في مصر فقط، واختيار العذراء بالذات يرجع إلى إجلال المسلمين والمسيحيين لها على السواء، وإلا لكان من الأولى ظهور المسيح، فالظهور سياسي في الأساس".



كما ذكر القس الإنجيلي رفعت فكري: "المسيحية قوية بكتابها المقدس ولا تحتاج لظهورات لإثباتها، وتسأل ماهي صورة العذراء الحقيقية؟ فإذا فكرنا بطريقة عقلية، فإن العذراء مريم كانت تعيش في القرن الأول، وحينها لا يوجد تصوير فوتوغرافي ولا فيديو، وجميع الصور التي يتداولها الناس لها ليست حقيقة وكلها مختلفة عن بعضها في الشكل، من إبداع الفنانين، فعلى اي أساس عرفوا أنها العذراء، كما أنها في ظهورها تختلف من شكل إلى آخر".


كشف حقيقة ظهور العذراء خلال فيلم سينمائي


رغم تحذيرات الأهل له بعدم فتح ملف ظهور العذراء، باعتباره موضوعا حساسا لدى المسيحيين في مصر، لم يقتنع المخرج والمؤلف نمير عبدالمسيح بفكرة السكوت وغلق القضايا التي تمس معتقدات المصريين، فكان دائماً يتساءل عن حقيقة رؤية الأقباط للعذراء، وكانت تأتيه الإجابات غير واضحة، لكن ما يميز تلك الإجابات أنها كانت تحمل يقينا لا دليل عليه أحيانًا، لكنه يحمل داخله رغبة في التصديق والبحث عن حقيقة الأمر.


وحاول نمير توثيق ظهور العذراء سينمائيا، من خلال فيلم "العذراء والأقباط وأنا"، طارحا العديد من التساؤلات والشكوك حول تلك المعجزات، حيث تدور أحداث الفيلم حول حقيقة شريط فيديو تظهر فيه السيدة مريم العذراء كضوء فوق كنائس مصر، في حين يشكك الكثير فيما يحتويه الشريط، ما يدفع نمير للسفر إلى مصر، وتقديم فيلم عن تلك الظاهرة الغريبة.


ذهب نمير إلى بعض الأسر المسيحية في صعيد مصر وإلى الكنائس التي حدث فيها الظهور، ليقترب من حقيقة الحدث، وتم تصوير الفيلم في الفترة من 2007 إلى 2011، ويبين أن معجزة ظهور العذراء قد تكون وهما، وأن التمسك بالجوانب الدينية الأساسية أفضل من التمسك بحقيقة مشكوك في أمرها.