التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 03:12 م , بتوقيت القاهرة

يهودي في الشارع.. عالم جديد شجاع

أعد مسلمون يعيشون في أمريكا، وآخرون يعيشون في أوروبا، فيديوهات عن ردود أفعال من حولهم إزاءهم، إذا ارتدوا ملابس "إسلامية". طبعا يقصدون بالملابس الإسلامية الملابس التي ارتبطت في ذهن المواطن الغربي بسمت بن لادن والظواهري وأبي بكر البغدادي. الأول والثاني أعلنا مسؤوليتهما أو مباركتهما لتفجيرات ضد مدنيين في نيويورك وواشنطن ولندن وإسبانيا أوقعت آلاف القتلى. والأخير، البغدادي، ارتبط في أذهان الغربيين بداعش ومآسيها.


قال هؤلاء المسلمون الذين يعيشون في الغرب إن ردود الفعل تكشف عن "عنصرية". يمكن لك أن تتفقي مع هذا التفسير. ويمكن لك أن تقولي إنه تعبير عن نفور "له ما يبرره" من أفعال المتشددين. بينما المسلمون العاديون يعيشون بسلام، والدليل أنهم يتزايدون كل عام، بل ويسعون سعيا حثيثا إلى ترك بلادهم الأصلية والعيش في الغرب. يمكن أن تبني رأيك بالطريقة التي تشائين.


قررنا في دوت مصر ألا نخوض في هذا الجدال. قررنا أن نتناول الموضوع من وجهة نظر أخرى. قررنا أن نطرح السؤال على أنفسنا، على "الشاكين" من "عنصرية الغرب". والسؤال هو: كيف سنتصرف نحن لو رأينا في الشارع شخصا يهوديا؟


أردنا أن نرى أنفسنا ونهتم بها بدل الشكوى المتواصلة. أتينا بممثل - محمد منير - وألبسناه ثيابا يبدو معها مباشرة أنه يهودي، وأرسلناه وطاقم العمل، يوم جمعة، إلى منطقة الوراق، لكي يسأل الناس بعد صلاة الجمعة عن مكان المعبد اليهودي. ما حدث يومها لم يشاهده أحد في الفيديو، وسأترك الفرصة لمن كانوا هناك لكي يرووه لكم في فيديو مصور معهم عن "صناعة فيلم يهودي في الشارع"، سننشره في شبكة دوت مصر للإعلام الرقمي قريبا.



ما شاهدتموه في الفيديو هو ما حدث في مرتين أخريين. في الأولى كررنا المكياج، اللحية وضفائر السوالف، لكي يبدو كيهودي متزمت دينيا. وفي الثانية أزلنا اللحية لكي يبدو كيهودي عادي. بل كان يقول للناس إنه يهودي من دولة عربية هي اليمن.


هل رأيتم رد فعل الناس؟ هل يشبه هذا رد فعل الناس في أوروبا وأمريكا مع "مسلم" يسأل عن عنوان مسجد؟


أترك الإجابة لكم.


بعض الناس يقول لماذا اخترتم اليهودي؟ إن بيننا وبين اليهود صراعا تاريخيا.


لهؤلاء نقول إن هذا مقصود. لأن العنصرية تختبر فيمن بينك وبينه "مشكلة". لكي تختبر تصرفك، ولكي تختبر المشكلة. ويجب ألا ننسى أبدا أن مظهر أسامة بن لادن مظهر أناس بين الغرب وبينهم مشكلة. مشكلة حقيقية مباشرة. أما الشخص اليهودي فهو مقابل للمسلم "العادي".


تناقلت وسائل إعلام كثيرة الفيديو، في مصر والعالم. وسائل الإعلام العالمية تعاملت مع الفيديو باحترام لمجهودنا، بعض وسائل الإعلام المصرية داست على القيم المهنية كعادتها، فلم تذكر اسم دوت مصر في تغطيتها للفيديو ولا مرة واحدة، في استهانة دنيئة بمجهود زملائهم. هذه قضية أخرى. لكن القضية المهمة هنا هي التعليقات التي على الفيديو. الجزء الأكبر منها يشجع من تعدوا على "اليهودي". بعضهم اعتبرها نخوة، بعضهم اعتبرها إيمانا، بعضهم اعتبرها وطنية. هذا في حد ذاته فيلم إلى جوار الفيلم. لأن نفس هؤلاء الأشخاص يدافعون عن "المسلمين" في كل مكان. يا سادة، القيمة هي هي، إن لم نكافح العنصرية وكراهية الآخر في بلادنا لن يصدقنا أحد إن شكونا عنصرية العالم. ولا سيما إن كانت "عنصرية العالم" تلك نذرا يسيرا إن قورنت بعنصريتنا.


يا سادة. إن مشكلتنا ليست مع اليهودي بسبب الصراع التاريخي فقط. بل لدى السنة مشكلة مع الشيعة، ولدى الشيعة مشكلة مع السنة. وهكذا الأمر بالنسبة للعلويين والأيزيديين والمسيحيين، ثم الأمازيغ، والكرد، وكل أقلية شاء حظها أن تعيش في منطقتنا. كفانا دفنا لرؤوسنا في الرمال. إن المشكلة تتفاقم حتى تكاد تعصف بهذه المنطقة كأنبوبة بوتاجاز يقترب منها لهب شمعة. إننا نسير نياما نحو حفرة عميقة اسمها كراهية الآخرين، والرغبة في تدميرهم ولو كان الثمن تدمير أنفسنا أيضا. أو على الأقل الرغبة في أن نكون جميعا أشباها كالنمط.


الشجاعة في تقبل الاختلاف، وليست في العراك من أجل محوه أو تقويمه. الشجاعة في التصدي لمن يقهرني، وليس في الاستقواء على من في موقف ضعف. الشجاعة في النقد الذاتي، وليس في الشكوى دوما من الآخرين.


نحاول في دوت مصر أن نتلمس نقطة تلو نقطة، ونعلم أننا لا نزال بعيدين، وأمامنا مشوار طويل. لكننا على الأقل نحاول. في دوت مصر شعارنا: كل نقطة تفرق.