"حدائق القبة" من قصور الباشوات إلي مساكن البسطاء
كانت منطقة حدائق القبة مسكنا للباشاوات والأثرياء المصريين والأجانب ورجال الحكم وكانت تشتهر بالأشجار والحدائق والقصور الكبيرة.
ولكن اختفت كل هذه الملامح وحل محل القصور عمارات عملاقة، وأصبح المكان مزدحما بالسكان والمواصلات العامة والمساكن العشوائية.
سر تسميتها بـ "حدائق القبة"
يرجع الأصل في تسميتها إلى "قبة" القصر الجمهوري وهو أكبر القصور في مصر، وهو يستخدم حاليا كمقر لنزول الضيوف الأجانب من رؤساء وغيرهم.
قام ببناء "القصر الجمهوري" الخديوي إسماعيل، ويمتد من محطة مترو سراي القبة حتى محطة كوبري القبة حاليا.
كما أنه تحول إلى أحد قصور رئاسة الجمهورية بعد ثورة 23 يوليو 1952، وكان القصر محاطا بالحدائق والأشجار ومزارع الفاكهة لذلك سميت بـ "حدائق القبة".
تاريخ القبة
يعود تاريخ القبة إلى ما بعد حملة قايتباي، حيث تملّك الأمير يشبك الدوادار قائد الحملة وتحديدا في عام 882 هجرية، قطعة أرض بناحية المطرية، وبنى بها "قبة" فخمة عالية لينزل فيها عندما يخرج من القاهرة للتنزة وذلك لطيب هوائها وتوسطها بين الأراضي الزراعية والأراضي الصحراوية الجافة، بعيدا عن ضوضاء العاصمة وقتها.
مسميات القبة عبر التاريخ
عندما تولى السلطان الأشرف أبو النصر قنصوة الغوري عام 906 هـ استمر في سياسة الأمير يشبك نفسها، فاتخذ هذا "القبة" مقعدا ينزل فيه كلما أراد التنزة والرياضة، وكان يبيت فيها من وقت لآخر طوال مدة حكمه بل إنه أنشأ بجوارها بعض الفساقي يجري فيها الماء، وحفر بئرا ليشرب منه المسافرون الذين يمرون من هناك، وهكذا عرفت المنطقة باسم "قبة الغوري" بعد أن أصبحت جزءا من أملاكه.
وفي أوائل القرن الحادي عشر الهجري بدأ الناس يبنون بيوتهم بجوار هذه القبة حيث تكونت قرية جديدة عرفت باسم "القبة"، ومن هنا جاء اسمها وأصبحت من ضمن البلاد التابعة لناحية المطرية وظل العامة يقولون "قبة الغوري" أو "قبة العزب" لأنه كان يسكنها بعض عساكر طائفة عزبان، الذين كانوا يحرسون القلاع فعرفت باسم قبة العزب.
وفي عصر محمد علي باشاعام 1228 هـ، تم فصل قرية "القبة" هذه من كونها من توابع ناحية المطرية، ثم جاء ابنه إبراهيم باشا ليبني قصراً في هذه المنطقة وغرس فيه بستاناً.
تقسيم حدائق القبة
في عام 1908، أنشأت شركة حدائق القبة وتولت الشركة تقسيم المنطقة حتى اتصلت بقلب القاهرة، واتجه كبار القوم والأغنياء من الأمراء والباشوات وكبار التجار وأخذوا يبنون قصورهم وبيوتهم بالقرب من قصر القبة وهكذا نشأ حي حدائق القبة. وأصبح حي القبة الآن يضم مناطق حدائق القبة وكوبري القبة وحمامات القبة وسراي القبة.
حدائق القبة في عيون أهلها
تحدث عم كمال بركة، صاحب محل أدوات كهربائية، الذي يعيش بحدائق القبة منذ أكثر من 83 عاما، عن كيف تغيرت ملامح المكان، حيث قال إن المنطقة قديما كانت بها حدائق ومزارع ولم يكن هناك هذا العدد الكبير من المباني فكان بها 16 بيتا والباقي كله أراضي زراعية وحقول.
وتابع: "لكنها اختفت وحلت محلها هذا العمائر الجديدة وكانت هناك فيلات البشوات ولكنا أيضا هدمت ولم يتبق سوى فيلا التحريات العسكرية"، مشيرا إلى أنه كان يوجد بئرا للمياه يسمى "بئر الصهاريج" كان يشرب منه الجميع بما فيهم سكان قصر القبة، وكما تغيرت ملامح المكان تغيرت الناس فأصبح يسكن المنطقة الطبقة العادية وليس البشوات والأغنياء كما كانت من قبل.
استكملت الحاجة إنصاف سلامة صاحبة كافتيريا القصر، والتي تبلغ من العمر 75 عاما، إن مسجدي سيدي عمر الأنصاري وسيدي حسان بن ثابت، هما ما تبقا من ملامح حدائق القبة القديمة، ومنزل محمد القطان من حدائق القطان التي كانت تملأ المكان.
وأضافت أن الحكومة والأوقاف تملكت الأراضي الزراعية والحدائق لكي تقوم ببناء العمائر الجديدة، لأن أغلب البيوت القديما كانت (بلدي) مكونة من دور ودورين وكانت المنطقة هادئة، لكنها هُدمت وبُنيت مكانها هذه العمائر فازدحمت المنطقة بالسكان.
ويأتي الحاج محمد جمعة البالغ من العمر 63 عاما، عميد سابق بالجيش، فيحكي لنا حياته ونشأته في حدائق القبة ويعود بنا إلى أيام طفولته مصورا لنا المشهد الذي دائما ما كان يحبه ويتذكره دوما، مشهد اللعب في الحدائق هو وأصحابه والجو جميل وممتع وهادئ من حولهم، وأتوبيس 40 الوحيد الذي كان يمر من المنطقة.
وتابع: "لا انسى مشهد الرئيس جمال عبدالناصر وهو يسير في الشارع بين الناس يلوح لنا بيديه ويستمتع بالهواء والمناظر التي تحيط بالقصر، وأيضا لا انسى الرئيس السادات الذي كان يجلس على المقهى بالقرب من منزلي القديم بكوبري القبة".
واستطرد: "المكان تغير تماما عما كان عليه وأن من يسكنون بالمنطقة الآن ليسوا سكان حدائق القبة الأصليين ولكنهم أتوا إليها من أماكن أخرى بعد أن سكنها البشوات والفنانين فالفيلات كانت في كل مكان في شارع ترعة الجبل عن يمينه ويساره ومن الفنانين الذين عاشوا في المنطقة أنور وجدي ونجيب الريحاني ومحمود شكوكو ويونس شلبي وجورج سيدهم وحسن عابدين وغيرهم.