روتين مهضوم
ربما أكون الكائن الوحيد على سطح الكرة الأرضية الذي يُحب الروتين. أنا لا أحب الروتين فقط ولكن أعشقه. الروتين مفيد ومريح وفعّال. إذا أردت أن تُنجز شيئا أدخله في روتينك اليومي واعتبره أُنجز. تستيقظ الصبح وأنت تعرف مايجب عليك أن تفعله تحديدا، فيصبح ذهنك صافٍ؛ لأنك لا تحتاج إلى اتخاذ القرارات باستمرار.
تعريف الروتين بالإنجليزية حسب قاموس أوكسفورد هو "الترتيب أو الطريقة المعتادة التي تفعل بها الأشياء بانتظام". وله تعريف آخر سلبي بسبب انطباع الناس عنه وهو "الوضع الذي تكون فيه الحياة مملة لأنك تقوم فيها بالأشياء بنفس الطريقة دائمًا".
في القاموس العربي، قاموس المعاني الروتين هو "أسلوب معين يحكم عمل الجهاز الإداري" تعريف آخر أقرب للمعنى الذي نقصدة هو "إجراءات مقياسيّة، طريقة محددة تجري على وتيرة واحدة في عمل الأشياء". كلمة روتين مشتقة من اللغة الفرنسية وتعني "طريق" انتقلت للإنجليزية في القرن السابع عشر ثم للعربية، ربما في العصر الحديث. المعنى السلبي لكلمة روتين ممكن استبداله بكلمة "رتابة" لأنها تعطي معنى التكرار الممل.
الروتين هو برمجة للأفعال على الوقت. روتين تنظيف الوجه مثلا نغسل الوجه بالصابون ثم ننشفه ثم نضع عليه بخارا لمدة ربع ساعة ثم ننظف الرؤوس السوداء باستخدام المشارط ثم نضع تونك ثم قناع على الوجه لمدة عشر دقائق ثم كريم مرطب.
نستطيع كتابة الروتين كما نكتب السيناريو. خطط روتينا جيدا وستحصل على نتائج جيدة. الروتين هو الطريقة الوحيدة التي تجعلك تَركب عجلة الزمن وتنطلق. لو قررت أن تستيقظ كل صباح وبعد أن تغسل وجهك تضع طوبة واحدة فقط في جدار تريد بناءه، سينتهي الجدار بعد مدة بسيطة وبدون أن تشعر بتعب. إذا أردت أن ينتهي الجدارأسرع ضع عشر طوبات كل يوم أو مئة طوبة.
كيف يصفي الروتين الذهن؟ سأضرب مثال قيادة السيارة. تذهب كل يوم للعمل وتسلك نفس الطريق وتقوم بنفس التصرفات يوما بعد يوم حتى تعتاد عليه وتصل إلى مرحلة أن تفعله بدون تفكير وذهنك صاف. لو كنت كل يوم تسلك طريقا مختلفا وتقوم بحركات مختلفة سيُرهق عقلك لأنه يحتاج التركيز بشكل مستمر واتخاذ قرارات كثيرة. بنفس الطريقة يصفي الروتين الذهن.
الروتين أيضا ممتاز للصحة! كيف؟ مؤكد إذا وضعت روتينا مليئا بالرياضة والأكل الصحي والكشف الدوري سيؤثر هذا إيجابيا على صحتك ولكن ليس هذا ماقصدته لأنك أيضا، قد تضع روتينا سيئا مليئا بالحلويات والمفاطيح وستتأثر صحتك سلبا. ماقصدته هو أن الجسد يوزن نفسه على الوسط المحيط به فيعدل مستويات الهرمونات وقوة العضلات والتهيئة للتعامل مع الضغوط. لو فرضا قررت سيدة غير معتادة على عمل المنزل أن تنظف أرضيات بيتها بنفسها، ستفركها بالممسحة والصابون ثم بالمعقم ثم تجففها. المجهود سيرهقها جسدياً وذهنياً (لأنها غير معتادة على هذا العمل) وربما في اليوم التالي ستؤلمها عضلات يديها من الفرك. جسمها غير معتاد على هذا المجهود المفاجئ. ولكن لو كانت نفس السيدة تمسح الأرضيات في صباح كل يوم لن تؤلمها عضلات يدها ومع الوقت سيكون العمل غير مرهق للجسد ولا للذهن. الجسد كيّف نفسه على درجة جهد معين وحركات معينة واعتاد عليها.
لو تعوّد شخص على العمل ثلاث ساعات كل يوم وفي يوم عمل ثمان ساعات سيُرهق ويعود للبيت وهو شبه منهار، ولكن لو كان معتادا على العمل ثمان ساعات لن يُرهق لأن جسمه متكيف مع العمل لساعات طويلة، وربما يعود للمنزل ويبدل ملابسه ويخرج للنادي في روتين آخر اعتاد عليه ،وبذلك يكون رفع طاقته وعاش حياته.
"لو تعوّدت على العمل في بيئة مليئة بالضغوط سيتعود جسدك على التعامل معها وسيكيف مستويات الهرمونات ودقات القلب والعضلات". لو فجأة اختفت الضغوط لأي سبب (إجازة أو تقاعد) سيستمر الجسد لفترة على النظام السابق وربما تعاني من أعراض انسحابية. ربما يبدأ جسدك في اختراع ضغوط جديدة لتحل محل القديمة، وقد يخترع لك مشاكل نفسية أو عضوية أو عائلية. لذلك في رأيي من الأفضل التدرج في تغيير البيئة المحيطة حتى يتكيف الجسد بسلاسة أكبر ولا يفقد توازنه. إذا كنت تعاني من توتر بسبب ما لا تلغي مصدر التوتر بشكل مفاجئ ولكن درج.