التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 08:38 ص , بتوقيت القاهرة

لا يشق لي غبار.. تبا لتواضعي!

لا يُشق له غبار في التاريخ العربي القديم كانت تستخدم للفارس الذي لا يستطيع أحد أن يسبقه ويشق غبار فرسه، أما الآن تستخدم للشخص المتفوق على من حوله، فلا يُشق لي غبار وتبا لتواضعي أخجلتموه وهو غير موجود أصلاً، يا عزيزي التواضع مع قليل القيمة قلة قيمة، وفي هذا الزمان الوضيعون كُثُرُ فلم التواضع!!


جربنا التواضع مع الجميع كثيرا، عملا بمبدأ من تواضع لله رفعه، وعبّرنا العِفش اتنفش ولم يدرك المعنى الحقيقي لجبر الخواطر، هل هذا زمن التواضع فعلاً في أيام تعج بالحثالة والتمثيل والنفاق !!


وإن وُجد الطيبون فهم قلة قليلة مضطرة للتعامل مع الغالب الأعم ولنترك المحترمين لوقتهم يرفعون على الرؤوس، فلا يكفيهم أن تحملهم الأرض، لكن أساس التعامل جميعهم أبناء متسخة إلى أن يثبت العكس، لن يضيرهم غروري في شيء سوى وضعهم في حجمهم الطبيعي و عدم تجاوزهم الحدود.


اعتزاز الشخص بنفسه وعدم ارتضائه المهانة من الحثالة في زمن تعيش فيه كأنك في صفيحة زبالة، يفرض عليك الترفع عن الدنايا وعدم الاختلاط بصغائر الأمور وتنقية النفس من أخطائها  فلم يصنع العسل لتأكله الحمير.. عسل يا مصيبة.


فالإحساس بالشموخ والترفع من كل ابتذاليات الأشياء شيء ضروري ورؤية النفس أرفع من سقطات الآخرين، وحين تأتيك سقطة ممن يرميك بها عابثًا بك، فانهض بكامل حضورك لتنفضها عنك و تمضي كي لا تدنس رونقك، مرفوع الرأس حتى إذا كانت الخناجر في الطريق معلقة، فأنت بغرورك أكبر من صغائر الآخرين.


أتعامل في الواقع بمبدأ أنا رائعة امتلئ بالمزايا والعيوب التي أعلمها جيدا، تقبلتها أنت حللت أهلا ونزلت سهلا لم تتقبلها لك مطلق الحرية، ولن يضيرني شيء، ليس بالضرورة أن يُجمع عليك الآخرون فهو لم يحدث حتى للأنبياء فلم يجب أن يجمع ويثني على الجميع وهل يزيدني إجماعهم أو ينتقص مني في شيئا !! فكما لا أعجب كل الناس أنا أيضا لا تعجبني كل الناس خليك واقعي.


هكذا أنا جدعة ما استطعت مع الغير، أفك كرب ليُفك لي كروب، ولا علاقة لذلك ببصداقة أو مصلحة فما فعلناه فعلناه لوجه الله، لا لوجه أحد لننتظر من أحد عرفانا أو ردا للجميل، ولكن لم نكن نتوقع طعنات في الظهر، ما نفعله للبشر غالبا لا يقدر، وما لله لا يضيع أبدا هو يجازي ويثيب فمالي ومال العباد ومعي رب العباد!


هكذا أنا مؤمنة بالكبرياء وعدم التواضع، مبدأي أنتم خسرتم وأنا تعلمت، وأعلم جيدا أن خسارتكم فادحة وأن مكسبي أكبر ولن يغير ذلك في الأمر شيئا، فما دام فينا النفس نحن نتعلم ولن يغيرنا، فمازلت أسير وقتما أردت وراء قلبي وأسير وقتما أردت وراء عقلي، كلٌّ بمزاجي فمزاجي أعز ما أملك لن أترك فرصة لمخلوق أن يعكره، فلا جنبت العقل يوما ولا نحيت الفؤاد جانبا، و لكن مزجتهم حتى لا أندم يوما ويعكر لي مزاجا .


فالصمت غرور وعدم البوح والشكوى غرور وتحمل الآلام وعدم البكاء غرور والصمت عن الأذى والقسوة المصوبة من كل جهة وعدم البوح عنها غرور، أذل من أمامي بسكوتي بنظراتي بابتساماتي من غير أن أتكلم أو أنطق بحرف، أستفيد من غلطات السفيه ولا أعطيه وقتا من عمري.


سموه ثقة بالنفس سموه كبرياء سموه غرور سموه كما شئتم، ولو علموا ما بنا من بياض القلوب لعذرونا و لاموا أنفسهم على سواد قلوبهم وعقدهم وكلاكيعهم ومركبات نقصهم، والأجدر بي صدهم بالغرور، فهذا أقل القليل مما يستحقون خدعوك فقالوا التواضع مع الجميع يؤدي إلى السلامة بل الندامة. 


ليكن التواضع لله وحده لا لعبيده، يقول مصطفى صادق الرافعي: "إن فوق كبرياء المخلوق ناموسا ثابتا من كبرياء الخالق ما لجأ إليه مكسور القلب بكاسر قلبه إلا وضعه الله موضع حبة القمح تحت حجر الطاحون الضخم لا يُبقي و لا يذر "، وأعوذ بالله أن تكون الأنا تائهة في غرورها ولست كبيرة فوق كل الأشياء، ولا الروح مشوهة فالطاووس الذي لا يستطيع أن يوزن خطواته أضاع مشيته.