التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 03:06 م , بتوقيت القاهرة

لا المقامر ولا المتفرج يستمتع باللعبة في The Gambler

يقال إن أكثر 3 لحظات وأحداث يعشق أن يراها جمهور السينما تكمن في سقوط الأبطال في الحب، وممارستهم الجنس باستمتاع وشبق جنوني (1)، أو انتقامهم من الخصم الذي أذاهم (2)، أو فوزهم بثروات عظيمة تغير حالهم فورا 180 درجة، وتُحولهم إلى أثرياء (3)!.. باختصار نفس الثلاثة الأوائل في قائمة ما يتمناه أغلب البشر في الحياة الحقيقية!


القمار يوفر فرصة درامية لتحقيق النقطة (3) مبدئيا، وبحبكة جيدة يمكن أن يمتد لـ (2) عندما يهزم البطل خصمه ويقهره في اللعبة، وببعض الإضافات يمكن أن يساهم أيضا في توفير علاقة غرامية ساخنة لأبطال الفيلم (1)!


لا عجب إذا أن القمار كان محور مئات الأفلام، خصوصا أنه يوفر فرصة أيضا لصناعة مشاهد إثارة وترقب ومفاجآت. في المقابل يوجد توظيف سلبي روائي وسينمائي آخر للقمار، باعتباره هواية وإدمان من لا يملكون حياة حقيقية، وهو حال فيلمنا اليوم.  


The Gambler 2014 للمخرج روبرت وايت، والنجم مارك والبيرج، إعادة إنتاج لفيلم شهير بنفس الاسم من إنتاج 1974 قام ببطولته جيمس كان، عن أول سيناريو كتبه جيمس توباك. خريج جامعة هارفاد وأستاذ الأدب في أحد جامعات نيويورك، من واقع حياته الشخصية كأستاذ جامعي مدمن قمار.



بطلنا الذي يعيش كأستاذ جامعي محترم ينحدر من أسرة ثرية، يتورط بسبب إدمان القمار في دائرة قروض لا تنتهي لسداد قيمة قروض وخسائر أخرى سابقة، باعتبارها الطريقة الوحيدة لسداد خسائره، وهو ما يصل به في النهاية للاقتراض من نوعية لن ترضى بأقل من حياته، إذا خسر من جديد.


رغم اسم وليام موناهان كسيناريست مخضرم، حصل سابقا على الأوسكار عن The Departed  2006 وهو الفيلم الذي فاز عنه أيضا والبيرج بترشيح للأوسكار كممثل مساعد، لا يرقى تعاونهما هذه المرة للتوقعات. 



تأتي الأزمة الكبرى في كون الفيلم عن بطل مهووس لا يشعر بالحياة إلا في أثناء لعب القمار، ورغم هذا لم يتم ترجمة هذا الهوس سينمائيا، لنظل طوال الأحداث نتابع بطل يتعامل بلا مبالاة في القمار رغم أن الفوز والخسارة لا يحددان ترقيه ماديا في الحياة كغيره، بل يحددان بقاءه حيا فعليا. 


أداء والبيرج عنصر آخر يدشن هذه اللامبالاة. بصفة عامة لا يمكن تصنيفه كممثل استثنائي أو عظيم في جيله، لكن خلال تاريخه قدم عدة أدوار مهمة، بفضل اختياراته الموفقة. دوره هنا غير مقنع خصوصا في مقاطع الأستاذ الجامعي، رغم أن بعضها يتضمن حوارات ونقاشات فلسفية ثرية جدا عن الحياة.


في المقابل تتألق القديرة دائما جيسيكا لانج في دور الأم الغاضبة، ومن المؤسف أنها مُقلة جدا حاليا في أعمالها، ويسرق المخضرم جون جودمان كل مشهد يظهر فيه، في دور يمنحه حضور وطابع شبة كاريكاتيري رغم جديته، قد يكون أفضل ما في الفيلم.



هذا التباين المستمر والمُتعمد في بناء الشخصيات، بين البطل الذي لا يبالي بأي شىء، والمحيطون به المهتمون جدا لأسباب مختلفة، لم ينته بمزيد من التفاعل مع البطل والأحداث، بقدر ما انتهى بعدوى من اللامبالاة الحتمية، ستنتقل غالبا للأسف للمتفرج في مرحلة ما.


اقرأ أيضا: ويل سميث محور لعبة التركيز في Focus 


وباستثناء بعض اللقطات الثرية لمدينة لوس أنجلوس وأجواء القمار، التي أبدع فيها مدير التصوير جريج فريزر، وشريط صوت أجاد فيه المخرج توظيف بعض كلاسيكيات السبعينات، لا توجد معالم جودة أخرى تستحق الذكر.



أخر أفلام روبرت وايت وسبب اهتمامي به كان Rise of the Planet of the Apes 2011 وفيه نجح بامتياز في إعادة ميلاد فكرة كوكب القرود التي بدعها الأديب الفرنسي بيير بولي، وانتهى بعمل فاز بحماس الجمهور وإشادة النقاد. 


بعيدا عن الأكشن والإثارة، كانت نقطة تميز الفيلم الأساسية، هى قدرته طوال الأحداث على الإمساك بخيط رفيع يجعلنا نتفاعل إنسانيا مع القرد سيزر ورفاقه، دون أن ننسى تماما حقيقة اختلافه عنا كبشر. هنا ومع شخصية حقيقية من لحم ودم متشابهة مع آلاف البشر، اختفى التفاعل للأسف.


البطل الذي يعشق تدمير ذاته دون مبررات، أو كما تصفه تلميذته "أنت أحد هؤلاء الذين نشأوا بدون أي مشاكل على الإطلاق، وانتهوا رغم ذلك بكافة أنواع المشاكل"، يستحق وقفة تأمل وحلقة ربط أقوى بنقطة سقوطه المستمر (القمار).



باختصار:
باستثناء أداء جون جودمان لا يوجد مع The Gambler أوراق لعب رابحة، ورغم عدم مشاهدتي لنسخة 1974 تظل حقيقة صمودها لأكثر من 40 عاما، كفيلة بإغرائي للرهان على "المقامر" الأصلي.


لمتابعة الكاتب