اللي فـ قلبي على لساني
من أهم الدروس اللي اتعلمتها عن الناس، إن مبالغة أي شخص في استعراض قيَمُه الأخلاقية ما هي إلا مؤشر عكسي للقيم دي.. يعني مثلاً اللي يقول لك أن الفلوس مش بتهمه أبدًا، تأكد إنه ياكُل مال النبى وحيقلِّبَك في قرشين.. اللي يقول لك أنا حقّاني ومايعجبنيش الحال المايل، تأكد إنه يلعب بالبيضة والحجر وحينصُب عليك بحركتين.. أما بقى اللى يقول لك عيبي إني صريح زيادة عن اللزوم ف تأكد إنه عديم الذوق وحيجرحك بكلمتين.
الأخير ده بقى هو موضوعنا النهاردة... "الصراحة" من القيم اللي الناس لا تَكِّل ولا تمِّل من استعراضها... ليل ونهار تسمع الجُمَل دي طايرة يمين وشمال.. "مافيش أحسن من الصراحة".. "يا بخت من بكّاني وبكى عليا ولا ضحَّكني وضحَّك الناس عليا"... "الصدق منجاة"... إلى آخره... ما اختلفناش والله، "الصراحة" منجَاة و"الكدب" وحِش ابن وحشين.. استريح بقى ومالهاش لازمة الأفوَرة والإعلانات.. بس وأنت بتستريح قل لي من فضلك: إيه علاقة "الصراحة" بالتطاول وانعدام الذوق؟... مش بتلاحظ بردو إن كل ما حد يقول لك جملة "أنا عيبي إني صريح زيادة عن اللزوم" أو "ماتزعلش مني أنا اللي ف قلبي على لساني" تكتشف إنه كُتلة جَليَطة ماشية على رجلين؟
ومش بس كده الشخص ده بيبقى عارف إن لسانه بيحدِف طوب بلا أي داعى وفخور بكده.. ف تلاقي تعليقاته اللزجة دايمًا مصاحبها ابتسامة ألزَج.. وفي لحظات ضيقك أو ارتباكك من سماجِة صراحتُه اللي هي في الحقيقة جليطة غير مُبرَّرة.. لازم حايخبطَك الجملة الخالِدة "أصل أنا اللي ف قلبي على لساني".. طب وإحنا ذنبنا إيه في سواد قلبك ده يا باشمهندس؟... ومين قال لك يا خويا إنك لازم تنفَّض اللي فى قلبك ده في وشِّنا؟
الشخص اللي من النوع ده علاجه إنك تبطَّل تلاقي له أعذار تخليك تتغاضى عن جَليطتُه.. وإلا حتلاقيه بيتمادى فيها عشان يثبت امتلاكه للقيمة اللي هو فاكرها قيمة وسيما.. وعشان كده لازم تدوَّقُه من نفس الكاس ولا تأخُذنَّك به شفقة ولا رحمة.. مَن جَليَط لازم يترد عليه بالردود اللي تحيَّرُه فى البحث عن أشلاء جليطتُه.. وده اللى حيخليه بعد كده يفكر 100 مرة في كلامُه البائس قبل ما يبتليك بيه.
مثال توضيحي وربنا ما يقطَع لنا عادة.. كنت في رحلة لمزرعة أحد الأقارب وجمعتني ترابيزة الغَذا بمجموعة من أصدقائهم.. وفجأة وبلا أي مقدمات سألتني اللي قاعدة جنبي وعلى وجهها علامات القرَف الشديد:
- مابتاكليش ليه؟ الأكل مش عاجبك؟
- لا أبدًا بس ماقدرش آكل كل ده عشان عاملة رجيم.
- رجيم بمنظرك ده؟!
- نعم؟!
- ده إنتي ماتجيش وزن ديك رومي من اللي عندنا فى المزرعة.
- ديك رومي؟ ده إيه الملافِظ السَعد دي؟!
- ههههههههههههه معلش ما تزعليش مني أنا أصل اللي ف قلبي على لساني.
- هو إنتي منهم؟ أهلاً
- مين دول؟
- الناس دي الصريحة زيادة عن اللزوم.
- أنا فعلاً عيبي صراحتي.
- واضِح طبعاً.. سيماهم فى ملافِظهُم.
- آه مافيش أحسن من الصراحة بس الناس بتحب اللي يكدب عليها.
- مابحبش اللي يكدب عليا بس كمان مابحبش الطبيخ الحمضان؟
- (بذعر) إيه الأكل فيه حاجة؟ أنا كمان حاسة طعمُه متغير؟ لايكونوا سابوه فى الشمس كتير
- لأ الأكل تمام.. هو بس مجَليَط حبتين.
- طب بس كُلي لك حاجة بدل ما تُقَعى من الجوع.
- لا ماتشغليش نفسك بيا وكملي أكلِك إنتي بس.
- مش بهزر والله أنا مرة كنت عاملة رجيم كده بردو وأغمى عليا.. وماحسيتش بنفسي لغاية ما أونكل "سيد" جِه شالنى.
- أونكل "سيد" جِه شالِك؟!
- آه والله.
- ده لازم أونكل "سيد قِشطة"!
- نعم؟!!
- هههههههههه ماتزعليش مني أنا كمان اللي ف قلبي على لساني.
- كل ده عشان موضوع الديك الرومي؟
- لأ خالص... هو فيه في حلاوة الديك الرومى وشياكة الديك الرومي؟
- مثلاً.. وهو فيه حد مابيحبش الديك الرومي؟!
- لأ طبعاً مافيش.. إحنا كمان كان عندنا ديك رومى زمان فى المزرعة... بس ماقعدش معانا كتير.
- لازم مات من الجوع هههههههههه؟
- لأ أبداً... ده إحنا اللى دبَحناه وشَوينا قلبُه وقَطَعنا لسانُه!!
بس يا سيدي... وعنها ومسافة ما وَطّيت أجيب الشوكة اللى وقعت من أيدى طلعت مالقيتش الست "اللى ف قلبها على لسانها"... ولا حتى لمَحت خيالها لآخر اليوم!!