التوقيت الأحد، 22 ديسمبر 2024
التوقيت 11:35 م , بتوقيت القاهرة

الفريسة والصياد

الكليشيه هو عبارة حكيمة تم ابتذالها من كثرة الاستخدام. ويدل استخدامها على فقدان مستخدمها للرؤية الأصيلة. الكليشيه نوع من الحكمة الموروثة التي تعامل معاملة الحقائق الراسخة ويستخدمها الأفراد في حواراتهم وقراراتهم اليومية.


مشكلة الكليشيه أنه كليشيه. وصل لهذه المرتبة لأنه كان خلاصة حكمة وقت من الأوقات، ومن كثرة استخدام الحكمة أصبحت جزءا من الوعي حتى وعي المشككين فيها. فكرة أنها مبتذلة بكثرة الاستخدام لا تنفي مكانتها ولا رسوخها ولا استمرارها كجزء من الوعي.


ومن الساحات المفضلة لاستخدام الكليشيه ساحة العلاقات العاطفية. تلعب الكليشيهات دور القواعد العامة التي يجب على الجميع التزامها. ترسم الكليشيهات حدود دور الرجل والمرأة في العلاقة وتحدد الكثير من توقعاتهم. ورغم أن البعض قد يرفض الاستسلام للكليشيه إلا أن الكليشيه - في الأغلب -  ينتصر.


من أشهر الكليشيهات التي تعامل معاملة القوانين في العلاقات العاطفية هو كليشيه "الفريسة والصياد".


تقول الأسطورة- أو الحكمة الخالدة - أن الرجل صياد هدفه الجنس. وأن المرأة (الفريسة صاحبة الكنز) تبحث عن الحب. وأن من أجل الوصول لحل يرضي جميع الأطراف يجب أن تستغل المرأة كنزها بذكاء فلا تمنح الرجل "ما يريد" حتى تحصل هي على ما تريد.


سيتفق مع هذا الطرح أغلب العقلاء، وستخرج من أدراج التجارب ما يعضض هذه الحكمة الخالدة. ستُقص آلاف القصص عن نساء "سُلب" منهن كنزهن أو "فرطن" فيه وكيف أن مصيرهن كان التعاسة الأبدية.


يُرسَخ كليشيه الفريسة والصياد بالتجربة والمشاهدة ويتواتر جيلًا بعد جيل. وتُبنى عليه منظومات العلاقات، ويحدد أدوار كل من الرجل والمرأة ويرسم المتوقع من تصرفاتهم، ويُصنّف ويُنمّط بناء على الالتزام بتلك التوقعات. فالرجال إما "ذئاب" أو "حملان"، والنساء  إما "محترمات" أو "عاهرات" (بالمصرية الفصيحة شمال).


يشكل الكليشيه السابق جزءا كبيرا من منظور أغلب سكان هذا الجزء من العالم للعلاقات، وتعضد الفكرة القواعد الدينية التي تحدد الطريقة الوحيدة المقبولة لتسليم وتسلم "الكنز".


لكن الأمور ليست بهذه البساطة. فالكليشيه أولًا يرسخ لفكرة أن العلاقة مخصصة للرجلman oriented ، وهذا ليس صحيحا. العلاقات العاطفية علاقات ثنائية القطب غير مخصصة لإشباع طرف على حساب طرف. كما يُغفل أن الرجال كما النساء يرغبون في الحب وتكوين الأسر. كما تفترض الفكرة أن الرجل هو وحده من يرغب في الجنس وهو افتراض غير واقعي لأن النساء أيضًا يرغبن في الجنس مثلهن في ذلك مثل الرجال. وتحول فكرة الفريسة والصياد الجنس لأداة تفاوضية أو بالأحرى طريقة ابتزاز. مما يشكك في جدوى العلاقة من الأساس.


وبدلًا من أن يقدم الكليشيه الحلول لمشكلات العلاقات يصبح هو أساس تلك المشكلات. تتحير النساء على اختلاف ذكائهن في تحديد القدر الكافي من الكنز الذي يجب عليهن استخدامه لإغواء الصياد. فبعض الصيادين لا يرضيهم إلا تذوق بعضًا من الكنز وآخرين قد تخسرهم مع أول إشارة لإمكانية التذوق.


المشكلة الحقيقة ليست في تحديد القدر الكافي "كطعم"، المشكلة الحقيقية هو أن المرأة تتعامل على أنها فريسة وترتضى أن تستخدم الجنس للابتزاز. تُغفل المرأة ما تريده في مقابل ما قد يريده الرجل. وتتناسى أن المعيار الأهم في اختيار الشريك أن يكون "شريكًا" لا صيادًا ولا فريسة. كما تتناسى أن الجنس (خارج النمط المطروح في كليشيه الفريسة والصياد) لن يتسبب في هروب شريكًا كما لن يتسبب في بقائه. فالرجال يتركون العلاقات لأنهم لا يريدون الاستمرار، بهذه البساطة، سواء وصل للكنز أم لم يصل.


لا "تمنحي" رجلًا كنزك عله يبقى ولا "تمنعيه" كنزك عله يبقى. فالجنس ليس كنزًا يمنح أو يمنع، الجنس فعل تبادلي بين طرفين. وإذا أردت القيام به، لا تقومي به مشروطًا بشيء، إذا وجدتي في نفسك حاجة للشرط فهذه إشارة كافية على وجودك في علاقة قائمة على الابتزاز. وبالتجربة والمشاهدة، التي لم تتحول لكليشيه بعد، ثبت أن العلاقة القائمة على الابتزاز علاقة مكتوب لها الفشل قبل أن تبدأ.


عزيزتي الفريسة وعزيزي الصياد تذكرا أن مشكلة الكليشيه أنه كليشيه. انتصاره واستمراره دليل فقط على أن مردديه لا يحملون "رؤية" "أصيلة".