توفيق الدقن.. 40 عاما من التمثيل "صلاة النبي أحسن"
"العلبة دي فيها إيه؟".. "يا آه يا آه".. "أحلى من الشرف مفيش".. "استر يا اللي بتستر".. "صلاة النبي أحسن".
من لا يستطيع تذكر صاحب تلك الإفيهات الخالدة؟ ومن يستطيع أن ينساها أصلا؟. إنه توفيق الدقن، الذي حفر لنفسه مكانا مميزا طيلة 40 عاما من التمثيل، قدّم خلالها العديد من الأعمال الفنية، في مجالات السينما والمسرح والتليفزيون والإذاعة.
النشأة
ولد توفيق الدقن في 3 مايو عام 1924، بمحافظة المنوفية، وعاش بشهادة ميلاد أخيه الأكبر المتوفى، واضطرت الأسرة للتنقّل من مدينة لأخرى بسبب طبيعة عمل والده كوكيل للنيابة، إلى أن استقروا في مدينة المنيا.
أكمل دراسته وبرع فيها إلى جانب تفوقه الرياضي كلاعب قرة كدم ماهر، وبطلا للملاكمة على مستوى المدارس الثانوية، ثم أدت وفاة والده، الذي كان يحلم بأن يصبح ابنه وكيلا في النيابة العامة، إلى جمع توفيق الدقن بين دراسته في المدرسة الثانوية والعمل بعد اليوم الدراسي وفي الإجازات لإعالة شقيقاته الثمان، كما عيّن خلفا لوالده ككاتب بالنيابة.
في عام 1946، أقامت جمعية الشبان المسلمين بالمنيا حفلها السنوي بمشاركة الموهوبين في الرياضة والموسيقى والفنون، وكان هو من ضمن المشاركين، ولكن الصدفة جعلت مشاركته مختلفة، إذ تسببت إصابة أحد زملائه بالحمى في تمثيله دور صغير في إحدى المسرحيات المعروضة في الحفل.
جلب أداؤه للدور إعجاب الحاضرين، في نفس العام تقدم للالتحاق بمعهد الفنون المسرحية ضمن 6 آلاف آخرين، ولكن لم يتم قبوله، وبعد سنتين وفي مفاجأة تلقى تلغرافا من عمهيد المعهد الفنان زكي طليمات يخبره بقبوله، ليترك عمله بالنيابة وينتقل من المنيا إلى القاهرة، وهناك برزت موهبتة التمثيلية، وكان الأول على دفعته التي تخرّج فيها عمالقة مثل سعد أردش وصلاح منصور وعبد المنعم مدبولي وغيرهم.
أسطورة الشرير الظريف
بدايته السينمائية جاءت في أثناء دراسته بمعهد الفنون المسرحية عام 1950، حين قدّم شخصية أحد المسلمين الأوائل الذين استشهدوا في سبيل الدين الجديد، في فيلم "ظهور الإسلام" من إخراج إبراهيم عزالدين.
في عام 1956، أسند إليه دوران من أدوار الشرّ في فيلم "صراع في الميناء" من إخراج يوسف شاهين، وفيلم "درب المهابيل" من إخراج توفيق صالح، وربما كانت تلك بداية التصاق أدوار الشرّ بالفنان، ولكن الدقن لم يدخل طريق الشرّ من دون إضافة لمسته فقرر خلق أسلوب يخصه وحده في تقديم شخصياته الشريرة، بإضافة خفة الظلّ إليها، هو الذي آمن بأن الأشرار لا يستطيعون إقناع الآخرين من دون الاستعانة بالجمال والتأنّق.
يروى عن الفنان أن والدته مرضت بسبب اعتقادها بأن ابنها هو ذلك الشخص الشرير الذي تشاهده في السينما، وعندما انتقل للسكن في حي العباسية طارده صاحب محل للجزارة أسفل بيته بالساطور وظلّ يتابعه بالنظرات المستنكرة في مجيئه ورواحه.
في عام 1952، كوّن الدقن مع زملائه عبدالمنعم مدبولي وسعد أردش وعبدالحفيظ التطاوي وزكريا سليمان فرقة "المسرح الحر"، التي قدمت عروضا مسرحية عن أعمال نعمان عاشور مثل "الناس اللي تحت" و"المغناطيس"، وبعدها انضم لفرقة إسماعيل يس بين عامي 1954 و1956، ثم بعد ذلك انضم للمسرح القومي حتى إحالته للمعاش في عام 1984.
في المسرح تنوعت أدوار الفنان بعيدا عن الإطار النمطي الذي حصرته فيه السينما، فبرع الدقن في تقديم العديد من الأدوار المختلفة، مثل الرجل الطيب، أو الموظف الشريف المكافح أو الفلاح البسيط في مسرحيات مثل "السنبسة" و"الفرافير" و"كوبري الناموس" و"سكة السلامة" و"عيلة الدوغري" وغيرها، وكان مقتنعا بأن الشخصية الطيبة هي الأقدر في الأساس على تقديم الأدوار الشريرة، أما مشابهة شخصية الممثل الحقيقية للدور الذي يقوم به فلا تضيف جديدا إلى الفن.
نظرا لاشتراك الفنان في الكثير من الأفلام فإن مستوى تلك الأعمال لم يكن بالقيمة ذاتها، الأمر الذي أدى لاتهام بعض النقاد له بأنه "فنان لا يرفض أي دور"، وقد ردّ الدقن على ذلك في حوار إذاعي مع الكاتب محمود السعدني وقال إنه غير راض عن بعض أدواره، ولكنه يضطر لقبولها بسب الالتزامات والمسؤوليات المالية التي لا يكفيها مرتبه من المسرح القومي، فقد كان مسؤولا عن بناته الثلاث ورعاية شقيقاته كذلك.
ظل توفيق الدقن يعمل حتى آخر أيامه، رغم معاناته مع تضخكم الكبد، والسكر، إلى أن داهمته آلام مفاجئة في أثناء تصوير أحد المسلسلات التليفزيونية، دخل على إثرها المستشفى، إلى أن فارق الحياة يوم 26 فبراير عام 1988.