بلا صحافة بلا تنوير.. أحلى من الشرف مافيش
314 حالة انتهاك لحقوق الصحفيين خلال عام 2014، بحسب تقرير لمنظمة حرية الفكر والتعبير، وهو من التقديرات المتوسطة، حيث هناك تقارير أخرى تشير لوجود 674 حالة خلال نفس العام، تراوحت بين قتل صحفية، إلى اعتداء بالضرب ومصادرة معدات، لاحتجاز وتعذيب داخل الحبس، لمنع من التغطية الصحفية، ومنع النشر، إلى إغلاق صحيفة.
اعتداءات على الصحفيين والصحافة، كان أغلبها من السلطة، متمثلة في وزارة الداخلية، والبعض من الحكومة وإدارات الصحف نفسها، بالإضافة للاعتداءات من الإخوان وأنصارهم، ومؤيدي النظام الحاكم.
أرى هذه الأرقام اليوم 3 مايو، الذي نحتفل فيه باليوم العالمي للصحافة وأتذكر، أن الثلاث سنوات الماضية، شهدت إغلاق 15 صحيفة وتشريد 600 صحفي -بحسب لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة- وهي 3 سنوات شهدت قيام ثورة بنوباتها وموجتيها، وكان أحد أهم أهدافها الحرية... وهو أمر يدل على وجود أزمة في عقلنا الجمعي المصري، هذا الجزء الغالي من العقل العربي، الذي شرحه ونقده الفيلسوف المغربي، محمد عابد الجابري، الراحل في مثل هذا اليوم من عام 2010، بعد أن ترك لنا كتابه الموسوعي "نقد العقل العربي"، القائل فيه "إن العقل العربي اليوم بحاجة إلى إعادة ابتكار".
بالفعل عقلنا في أزمة؛ فكيف ننادي بالحرية ونحن نصادر الصحف وننتهكك حقوق الصحفيين، إن لم يكن بأيدينا فبمباركتنا لمن يفعل ذلك، رغم أنه لا حرية دون تنوير ولا تنوير دون صحافة... نحن نحتاج إلى ثورة على عقلنا لإعادة ابتكاره كما قال الجابري.
اليوم العالمي للصحافة، 3 مايو، بالنسبة للعرب هو ذكرى لغياب عقلهم واحتكاره، إما من مستعمر أو حاكم مستبد.
في اليوم العالمي للصحافة، يتذكر المصريون، مقتل شجرة الدر عام 1257، سلطانة مصر "الأرمينية"، التي لم يكن لدى المصريين مانع في أن تحكم لكونها أرمينية، لكنهم خرجوا في تظاهرات تطالب بإقالتها لأنها امرأة، ولأن شيخ الإسلام، العز بن عبدالسلام، قال إن جلوسها على العرش مخالف للشريعة، ولأن الخليفة العباسي المستعصم، قال للمماليك: "إن كانت الرجال قد عدمت عندكم فأعلمونا حتى نسيّر إليكم رجلا".
قُتلت شجرة الدر على أيدي المماليك، الذين حملوها إلى زوجة عزالدين أيبك، فأمرت النساء أن يضربنها بالقباقيب على رأسها حتى ماتت، ثم رموا جثتها من فوق القعلة، بعد أن قادت مصر لمدة 3 أشهر، شهدت الانتصار على الحملة الصليبية السابعة، وقادت شجرة الدر، مفاوضات ناجحة مع لويس التاسع، لجلاء القوات الصليبية عن مصر.
في اليوم العالمي للصحافة، يتذكر العرب ومعهم المصريون، مقولة رئيس وزراء إسرائيل، جولدا مائير، المولودة في مثل هذا اليوم من عام 1898، حين حرقت المسجد الأقصى: "لم أنم طوال الليل، كنت خائفة من دخول العرب إسرائيل أفواجا من كل مكان، ولكن عندما أشرقت شمس اليوم التالي علمت أن باستطاعتنا فعل أي شيء نريده".
اليوم العالمي للصحافة، هو ذكرى رفض السلطان العثماني عبد الحميد الثاني مقترحا، من مؤسس الحركة الصهيونية، تيودور هرتزل، بإنشاء جامعة يهودية في القدس، عام 1902، أي أن تركي ونمساوي يتفاوضان على أرض وثقافة وهوية عربية، في غياب العرب.
في هذا اليوم من عام 1920، أعلنت بريطانيا الانتداب على العراق، وفيه من عام 1951، حلّ الملك عبدالله الأول، مجلسي النواب والأعيان الأردنيين، نتيجة اعتراض مجلس الأعيان على الموازنة العامة للدولة.
في 3 مايو، يتذكر اليمنيون وسكان شبه الجزيرة العربية، زحف الجيش اليمني عام 1924، لغزو الأدارسة -الدولة العربية التي لم تستمر كثيرا- والاستيلاء على ميناء الحديدة بها، وتقدم الجيش اليمني صوب عسير وجازان بالسعودية... كان ذلك في الوقت الذي كانت بريطانيا، هي صاحبة النفوذ والكلمة العليا في هذه المنطقة، وبدلا من سعي العرب نحو التحرر منها، كانوا يستهلكون أنفسهم في الصراعات فيما بينهم.
في اليوم العالمي للصحافة، أتذكر أن أكثر ما يتحف المصريين والعرب، هو كيفية ابتكار "الإفيهات" والسخرية من واقعهم المرير، على طريق الفنان توفيق الدقن، المولود في مثل هذا اليوم من عام 1924، صاحب القول المأثور والمعنى العميق، واللفظ البليغ، والحكمة القديمة الجديدة: "يا آه يا آه... أحلى من الشرف مافيش".