فيديو| هؤلاء.. فقدوا البصر ولم يفقدوا البصيرة
في حياة كثيرين فقدوا نعمة البصر قصص ومواقف لا يعرفها أحد، حولت حياتهم من الظلام إلى النور، هؤلاء صنعوا المعجزات وتمردوا على قيد الظلام، محققين ما لم يتصوره أحد، ومبصرين الحقيقة والسعادة والجمال بقلوبهم وانجازاتهم، ليقولوا للجميع أنهم فقدوا البصر ولكنهم لم يفقدوا البصيرة.
بشار بن برد.. الشاعر المتمرد
كان يقول: "عَميتُ جنينا والذكاءُ من العَمَى فجئتُ عجيبَ الظنَ للعلم موئلا، دميم الخلقة، طويلا، ضخم الجسم."
لسانه العبقري أودى بحياته على يد الخليفة المهدي فبرغم أنه لم يبصر النور أبدا، وكان دميم الشكل، فإنه اتصف بالغرور، وكان يظن بأنه أفضل من الجميع بسبب تفوقه في الكلام والشعر، وكان جريئا إلى حد هجاء أي شخصية بمن فيهم الخليفة نفسه، ولذلك كانت الناس تشتكيه لوالده بسبب لسانه السليط، فكان يضربه ضربا شديدا، تقول الروايات إن الخليفة المهدي قرر التخلص من بشار بن برد لأنه هجاه، فأعدمه ضربا بالسوط وتم القاء جثته في نهر دجلة.
سيد مكاوي.. عاشق الموسيقى
معاناته من العمى كانت عاملا أساسيا جعل أسرته تدفعه لتعلم وحفظ القرآن الكريم وترتيله، كان متيما بالإنشاد الديني ومع بلوغه سن الشباب كان حريصا على متابعة كبار المقرئين والمنشدين، وأحب الموسيقى الشرقية ولأن أسرته كانت فقيرة، كانت والدته تشتري له أسطوانات الموسيقى من بائع الروبابيكيا حتى تروي تعطشه لسماعها.
بداية نبوغه الموسيقي كانت بمرافقة صديقيه الشقيقين إسماعيل رأفت ومحمود رأفت ساعداه في تخطى حاجز الظلام الذي ظل يعاني منه، فأحدهما يعزف على القانون والثاني على الكمان، كانوا يجتمعون جميعا كل يوم يستمعون لعشرات الموشحات والطقاطيق الشرقية، ومن ثم كون سيد مكاوي معهما ما يشبه التخت لإحياء حفلات الأصدقاء، ومن هنا بدأت الحياة فقد رأى مكاوي بروحه وعشقه للموسيقى ما لم يراه المبصرون.
طه حسين.. أبصر بقلبه
ذات مرة كتب طه حسين إلى زوجته سوزان يقول: "بدونك أشعر أني أعمى حقا. أما وأنا معك، فإني اتوصل إلى الشعور بكل شيء، وأني امتزج بكل الأشياء التي تحيط بي".
وعندما رحل هو عن العالم، كتبت هي تقول: "ذراعي لن تمسك بذراعك أبدا، ويداي تبدوان لي بلا فائدة بشكل محزن، فأغرق في اليأس، أريد عبر عيني المخضبتين بالدموع، حيث يقاس مدى الحب، وأمام الهاوية المظلمة، حيث يتأرجح كل شيء، أريد أن أرى تحت جفنيك اللذين بقيا محلقين، ابتسامتك المتحفظة، ابتسامتك المبهمة الباسلة، اريد أن أرى من جديد ابتسامتك الرائعة".
برغم اجتهاده وتفوقه، وبرغم كل انجازات عميد الأدب العربي طه حسين، إلا أن قصة الحب التي عاشها مع زوجته الفرنسية سوزان كانت الدافع الحقيقي خلف تفوقه وتقدمه، لأنها كانت تدعمه بشدة في أصعب الأوقات، حتى أصبح في سنة 1950 وزيرا للمعارف، ونال العديد من الجوائز الدولية ورشح لنيل جائزة نوبل.
أبو العلاء المعري.. عزيز النفس
فقد أبو العلاء المعري بصره في طفولته المبكرة، كان فقيرا لكنه عزيز النفس وكان كريما أيضا، دفعه العمى إلى تحدي الصعاب والرغبة في التكيف واكتساب العلم والمعرفة والتفوق فيهما.
تحدى من حوله وصمم على أن يحترف لعبه الشطرنج، لكن العمى رغم تكيفه معها واكتسابه صفات تعويضية وتفوقه في اللغة والشعر، أورثته شعورا عميقا بالألم فملأ شعره بالحزن، وقرر أن يعتزل الحياة والناس بسبب العمى ولأنه شديد الحياء وعزيز النفس ويكره أن يخطئ فيكون موضع السخرية أو الشفقة، التزم عزلته لمدة 49 سنة كان يقرأ فيها ويعلم نفسه ويكتب الشعر، لم يخرج من بيته حتى ألح عليه الناس فحول منزله لطلاب العلم من كل مكان، وصار بيته جامعة يأتي إليها الزائرون، وكتب له العلماء والوزراء.
عمار الشريعي.. فيلسوف البياتي
تحدى الموسيقار عمار الشريعي عجز بصره وواجه المجتمع الذي رفض الاعتراف بموهبته في البداية، أجاد قراءة وكتابة النوتة الموسيقية وهو في الصف الرابع الابتدائي، وتحمل رفض والدته وقسوتها حينما قاطعته، وبعد 5 سنوات كانت والدته تقوم بمعاملات مالية في أحد البنوك ولاقتران اسمها بـ"الشريعي" سألها الموظف أن كان هناك علاقة نسب بينها وبين الموسيقار عمار الشريعي، فأجابت: "أنا أمه"، وعادت المياه لمجاريها بينه وبينها.
في بدايته لم ييأس وعمل كعازف أكورديون لمدة 5 سنوات، وبعد أن لمع نجمه أسس فرقة الأصدقاء مع سيد حجاب وعمر بطيشة وتم ايقافها بسبب شاعر وملحن كتبا تقريرا لرئاسة الجمهورية: "أنها فرقة شيوعية، تدس السم فى العسل"
ألف عمار الشريعي الموسيقى التصويرية للعديد من المسلسلات المصرية الشهيرة التي رفعت أسهمه، وقدم برنامج إذاعي بداية من عام 1988 غواص في بحر النغم، ونجح بالتعاون مع شركة ياماها اليابانية في استنباط ثلاثة أرباع التون من الآلات الإلكترونية، ليصبغها بشرقية منحته لقب فيلسوف البياتي، وساهم مع مؤسسة دانسينج دوتس الأمريكية في إنتاج برنامج جود فيل الذي يقدم نوتة موسيقية بطريقة برايل للمكفوفين.