جزمة سودة 39
دخلتُ فاردة قامتي، تعلو وجهي ابتسامة المرة الأولى لفعل شيء، قررتُ شراء حذاء غَالٍ أعجبتُ به لأسابيع.. أخبرتُ البائع أن قياسي 39، وتلقيتُ الجملة التي لم أتوقف عن سماعها حتى اليوم.. داخل وخارج محلات الأحذية.. "لا والله مفيش منها 9.. أجيبلك 40 ونحطلها فرش؟".
ابتلعتُ الفكرة في يأسٍ.. فالحذاء الذي اقتصدت في مصروفي من أجله، أشبه بالسفينة في قدمي.. خرجتُ به وأنا نصف سعيدة، أمسك "الفرش" في يدي وأنظر للحذاء الذي كاد يُفقدني حياتي بعدها بأسبوع.
في هذه السن.. كنت أتلقى الكثير من الحلول المشابهة، بالطبع عليّ أن أحترم الكبير، وأؤمن أنه أكثر فهما.. كلما طلبت شيئا أو صارحت أحدهم بحُلم، طأطأ لي ثم ناولني الـ 40 أم فرش.
لا تنظر إليّ هكذا.. أنت توافق على الـ 40 أم فرش طوال الوقت، دون أن تدري، تقبل بكلية التجارة، وشغلانة الكول سنتر، والفتاة التي تحبك من طرف واحد، ويظل من حولك يُفلسف لك الأمر، لتبدو الـ 40 أم فرش، خيارك الحر والحكيم، وكل من انتظر الـ 39 التي تُعجبه أحمق لم يصل لما حصَّلته أنت من حكمة وواقعية وخبرة بمصاعب الحياة.
كونكِ فتاة في مصر، يحولك إلى سلة شكاوى ومقترحات، الكل يرى في أحلامكِ استحالة ما، ويقرر أن ينقذك بـ"فرشٍ" يراه مناسبًا، تفتيح البشرة "فرش" لتكوني من الجميلات، الدلع "فرش" لتجذبي الرجال، أما "حاضر" فهي "فرش" لتحصلي على وسام "البنت المُهذبة"، والعودة مبكرا "فرش" لثقة الأهل في سلوككِ.
مجتمع أنتج حذاءً واحدا، وافتتح مصنعا "للفرش"، وإن تذمّرت في أي وقت، فنموذج الفتاة السعيدة، والتي ولدت بقياس 40 المرضي عنه، هنا لتتحدث عن تفاهة شكواك.
خرجت بالحذاء الجديد عدة مرات، واكتشفت بنفسي أن المشي في الحذاء يساعد في توسيعه.. وبالتدريج بدأ يُصدر صوتا أشبه بطرقعة "الشبشب الزنوبة"، حتى انخلع من قدمي وأنا أعبر الطريق، وصرتُ أمام خيارين "تمشي حافية ولا تمشي من الدنيا خالص؟".
كم مرة دخلت تبحث عن قياسك، وخرجت بقميص واسع "عشان ينفعك السنة الجاية"؟ كيف بدأت حياتك تحلم بالطيران، وتخرّجت في كلية الحقوق فجأة، ثم صارت أقصى أمنياتك أن تعبر المستوى 103 في كاندي كراش.. لا أعلم التفاصيل ولكني على ثقة أن في الأمر "فرش" ما.