التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 04:55 م , بتوقيت القاهرة

بوكرز| لماذا تقرأ 400 صفحة من البؤس في "ترمي بشرر"؟

فازت رواية الكاتب السعودي عبده خال "ترمي بشرر" بالجائزة العالمية للرواية العربية "البوكر" عام 2010، بعد منعها من النشر والتداول في المملكة، وأثارت جدلا نقديا كبيرا على الساحة العربية، وجاء في حيثيات فوزها بالجائزة أن:


"ترمي بشرر، الصادرة عن دار الجمل 2009، يأتي القصّ فيها حاملا تكملة لعنوان الرواية، ترمي بشرر "كالقصر"، قصر بهيج هو جنة جحيمية، ترمي بشررها على جحيم الحارات البائسة في جدة، فيمتد الحكي جسرا بين عالم سيد القصر ومن تحولوا دمى بشرية وعبيدا، من اجتاحهم القصر وسلبهم بحرهم وقوارب نجاتهم. رواية ساخرة فاجعة، تصور فظاعة تدمير البيئة، وتدمير النفوس، بالمتعة المطلقة بالسلطة، والمتعة المطلقة بالثراء".


تناقش الرواية التناقضات الاجتماعية والاقتصادية الحادة، بين الثراء الفاحش والفقر المدقع، وأزمة الفقراء المهمشين على حواف قصور الأثرياء الباذخة، كما تمر مرورا عابرا على قضية انتشار الجنس المثلي في السعودية، وربما كان هذا السبب الأول في منعها.



ذاك المرور العابر نظر إليه الكاتب باعتباره انحرافا عن الخلق القويم، معللا إياه بغلق الأبواب على النساء.


"بعد إغلاق الأبواب على المرأة فلم يبق أمام الرجل طفلا كان أو كهلا في مجتمع الفحولة فيه شارة فخر لرجالات الحي، إلا الاختيار بين أن يكون صيادا أو فريسة".


الأحداث تدور بين "القصر" وحارة الحفرة في جدة، والمكان هو البطل الأول، حتى أن اسم الرواية مقتبس من آية قرآنية "ترمي بشرر كالقصر"، وهو محور التناقض، إذ يمثل قبلة أحلام ساكني الحارة، بينما هو جحيم لا يحتمل لكل من يعيش فيه، بمن فيهم مالكه.


وتنتقل الشخصية الرئيسية، طارق فاضل، من جحيم الحارة، حيث قضى طفولته في اغتصاب أقرانه من الأطفال، إلى القصر، حيث يعمل في معاقبة أعداء سيد القصر بالاعتداء جنسيا عليهم، وتصوير عملية الاعتداء بهدف إذلالهم فيما بعد.



لحظة إعلان فوز عبده خال بجائزة البوكر 2010


وعلى مدار ما يقرب من 400 صفحة، يسرد البطل قصته البائسة، بين الحارة والقصر، في أجواء كئيبة وحبكة قاتمة، تدور فيها الأحداث على خط واحد من المأساوية التي لا تكسرها ولو لحظة واحدة من السعادة، حتى لحظة الجنس الوحيدة - يا مؤمن - بين طارق وجارته المراهقة تهاني، كانت مأساة انتهت بقتلها!


حتى أشد الأعمال التراجيدية بؤسا، كان فيها شذرات من السعادة، ولو على سبيل الحبكة المُقنعة، لأن تصاعد الأحداث لا يمكن أن يسير في اتجاه واحد بهذه الطريقة.


السؤال هنا: ماذا قد يدفع بالإنسان لقراءة نص على هذا القدر من الكآبة والبؤس؟ الأديب (غازي القصيبي) قدم للرواية الأولى لعبده خال "الموت يمر من هنا" - وكانت لا تقل كآبة عن ترمي بشرر - بقوله: "إن الإنسان الذي يستطيع أن يعذبك هذا العذاب كله، أن يشقيك هذا الشقاء كله عبر رواية، مجرد رواية، لا بد أن يكون روائيا موهوبا تحبه لموهبته، وتكرهه لأنه يذكرك بالمأساة الإنسانية". ولكن هل نقرأ الأدب لنتذكر المأساة الإنسانية؟ الإجابة تعود للقارئ، فهو مرآة الأدب.


لا يمكن إنكار أن الرواية جريئة وصادمة، صورت أعماق القذارة في النفس البشرية. وإذا كنت من هواة "الأدب الكئيب" فستحبها كثيرا.


للتواصل مع الكاتبة