شكسبير في السينما المصرية
منذ نشأة السينما المصرية عام 1907، كان العامل الأجنبي الوافد حاضرا، متمثلا في اختراع الأخوين "لوميير" للسينما، أو مشغليه من الجاليات الأجنبية في مصر، وبسبب حداثة التجربة الأدبية العربية في ذلك الوقت، بدأت السينما تمصير المحتوى الأدبي الغربي مع حركة بعض الفنانين المصريين للدراسة في أوروبا، وتعلم الفنون المختلفة، واعتمدت خلال سنواتها الأربعين الأولى على الاقتباس الأجنبي "نصوصا وأفلاما" بشكل كبير.
ويظلّ المصدر الأهم لكل الباحثين عن مصادر إلهام الكثير من الأفلام المصرية المقتبسة سيكون كتاب "الاقتباس في السينما المصرية"، لمؤلفه الناقد محمود قاسم، الذي يقدّم فيلموجرافيا قيّمة للأفلام المصرية المقتبسة من أصول أجنبية، في فترة تمتد بين عامي 1933 و2002. ولعل الاسم الذي سيقابله القارئ كثيرا هو ويليام شكسبير.
"شكسبير معاصرنا"، "شكسبير صالح لكل زمان ومكان"، "شكسبير مواطن عالمي"، وغيرها من الجمل التي يؤمن بها النقاد والجمهور على حد السواء، لتؤكد على خلود إبداع الكاتب الإنجليزي وتجاوزه لحدود اللغة والجغرافيا.
شكسبير الذي ترجمت أعماله إلى كلّ لغات العالم تقريبا، لم يفت السينما المصرية أن تعود إليه في أكثر مناسبة، بل وتغرقه في بيئتها بطريقة قد تبدو متطرفة وكوميدية أحيانا. "دوت مصر" يتعرض لكم الأفلام المصرية التي اقتبست أعمال شكسبير، وجعلت من شخصياته معلمة ومقاول وباشمهندس وبيه.
روميو وجولييت
قصة الحب المستحيلة بين مراهقين من عائلتين متصارعتين، لا يجدان حلَا سوى اصطناع الموت من أجل الهروب، فيتحوّل ذلك الموت إلى حقيقة، قصة أغرت العديد من السينمائيين المصريين، فظهرت أفلام:
"ممنوع الحب"، إخراج محمد كريم عام 1942، بطولة محمد عبدالوهاب ومديحة يسري. وتمت معالجة القصة ضمن إطار كوميدي مرح ونهاية سعيدة لا يموت فيها العاشقان. وتضمّن الفيلم أغنيتي "بلاش تبوسني في عينيا" و"يا مسافر وحدك".
"شهداء الغرام"، إخراج كمال سليم عام 1944، بطولة أنور وجدي وليلى مراد. وهو معالجة وفية إلى حد كبير لروح النصّ الأصلي، حيث جرت الأحداث في العصر المملوكي، كما أنه أبقى على النهاية المأساوية لبطلي القصة.
"البدوية الحسناء"، إخراج إبراهيم لاما عام 1947، وبطولة بدرية رأفت وبدر لاما. وتمت معالجة القصة بطريقة كوميدية مفرطة في سذاجة منطقها، تؤدي إلى زواج العاشقين في النهاية.
"العلمين"، من إخراج عبدالعليم خطاب 1965، بطولة نوال فهمي وصلاح قابيل. حاول خلاله المخرج مقاربة أجواء القرون الوسطى، فصوّر فيلمه في الصحراء الغربية، وحرص على إبراز العداوة القبلية والصراعات العائلية، التي ستؤدي إلى النهاية الحزينة لقصة حب البطلين.
"حبك نار" عام 2004، و"الغرفة 707" عام 2008، وكلا الفيلمين من إخراج إيهاب راضي، الذي يبدو أنه لم يهتم كثيرا بقراءة النص الأصلي، فتحوّل إلى الفيلم الأمريكي الشهير "روميو وجولييت"، من إخراج باز لورمان. واستعار بعض العنف والأكشن، اللذين صبغا الفيلم الأمريكي.
ترويض النمرة
السينما المصرية استغلت بساطة القصة الشكسبيرية في التعبير عن المرأة بوجهيها الرقيق والعنيف، في حكاية التاجر الثري وبناته الثلاث الجميلات وخصوصا أكبرهم وأجملهم "كاترين" الشرسة، التي ترفض الزواج، وبالتالي تتضرر أختاها، لأن الأب يرفض تزويجهما قبل زواج الكبيرة، إلى أن يأتي "باترشيو"، ليخطبها ويبدأ في "ترويضها". حكاية يسهل تخيّلها في فيلم مصري نظرا للأجواء التقليدية التي لا تزال سائدة، إضافة إلى الرؤية الذكورية، التي تضمّنها القصة.
"الزوجة السابعة"، من إخراج إبراهيم عمارة عام 1950. قدّم المخرج فيلما كوميديا ممتعا وجميلا بأداء سلس من ماري كويني، ومحمد فوزي.
"المتمردة"، إخراج محمود ذو الفقار عام 1963، وبطولة صباح وأحمد مظهر. وفيه لا يتوانى البطل، دكتور الحمير، عن محاولة إذلال بنت الذوات المتغطرسة.
"آه من حواء" من إخراج فطين عبدالوهاب عام 1962. ربما الفيلم الأشهر، ولكن الحقيقة أن محمد أبويوسف، سيناريست الفيلم، غيّر الكثير من الأحداث والتفاصيل، فجعل الأب ثريا، وأظهرت لبنى عبدالعزيز الكثير من الشراسة في مواجهة رشدي أباظة، الذي لم يبخل بدوره في محاولات ترويضها.
السيناريست الراحل عبدالحي أديب، عالج القصة في فيلمين لا يمتّان للأصل بصلة كبيرة، الأول هو "جوز مراتي"، من إخراج نيازي مصطفى عام 1963، بطولة صباح وفريد شوقي، والثاني هو "إستاكوزا"، إخراج إيناس الدغيدي، عام 1996، وبطولة رغدة وأحمد زكي، اللذان قدما مباراة جريئة في إذلال الآخر، في أجواء "فرويدية" ليست غريبة على المخرجة.
عطيل
القصة التراجيدية عن الغيرة القاتلة، غيرة الزوج المخدوع على زوجته البريئة الشريفة، وغيرة الصديق من صديقه، وجدت من يتلقفها لينسج من قماشتها الخام أعمالا، تتفاوت في إخلاصها للعمل الأصلي.
"الشك القاتل"، إخراج عز الدين ذوالفقار عام 1953، بطولة مريم فخر الدين ومحمود ذوالفقار ومحسن سرحان. زوج يشك في علاقة زوجته بصديقه المخلص، وينتهى الأمر بأن يقتل الزوج نفسه، بعد تأكده من إخلاص زوجته، وتتزوج الزوجة من الصديق!
?"المعلمة"، إخراج حسن رضا عام 1958، بطولة تحية كاريوكا ويحيى شاهين ومحمود المليجي. معالجة شعبية يصبح فيها عطيل المعلم عباس وديدمونة، تتحول إلى المعلمة توحة، فيما تكفّل المعلم حافظ بلعب دور "ياجو"، الذي يكيد للإيقاع بين المعلم عباس وزوجته.
"أبو أحمد"، إخراج حسن رضا عام 1960، بطولة أمل فريد وفريد شوقي وعمر الحريري. التجربة الأولى لعبدالحي أديب في اقتباس أعمال شكسبير، تتحوّل إلى مثلث حب كلاسيكي في أجواء ساحلية سكندرية.
"الغيرة القاتلة"، من إخراج عاطف الطيب في أولى تجاربه الإخراجية عام 1982، بطولة نور الشريف ويحيى الفخراني ونورا. وهنا يصبح عطيل مهندسا شابا، وياجو الحاقد يصبح الباشمهندس "مخلص"، وديدمونة المسكينة تتحوّل إلى دينا، زميلة الجامعة، التي تتزوج المهندس الشاب الطموح، وتتأزم علاقتهما بسبب مكائد مخلص.
الملك لير
قصة الملك الإنجليزي، الذي قرر تقسيم ملكه على بناته الثلاث، وطرد إحداهن لاعتقاده بأنها لا تحبه، بينما تقف ابنتاه ضده في النهاية، وتطردانه من المملكة لتعود ابنته المطرودة لتساعده. تغيّرت تفاصيل القصة لتتناسب مع رؤية المخرجين والكتاب، الذين حوّلوا شخصياتها، وأضافوا إليها كذلك، فصار الملك الإنجليزي مِعلّما وقاضٍ.
"الملاعين"، للمخرج أحمد ياسين، أنتج عام 1979، بطولة فريد شوقي. وغيّر السيناريست عبدالحي أديب من جنس الأبناء، وأضاف تفاصيل غير موجودة في النص الشكسبيري، فصارت "كورديليا"، الابنة الصغرى التي عطفت على والدها بعد طرده من قصره، صارت ابنا وفيا لوالده "مصطفي فهمي"، في مقابل جحود أختيه. والملك "لير" أصبح المعلم آدم الإسناوي، وأخيرا نهاية مأساوية غارقة في الدموية.
"حكمت المحكمة"، إخراج أحمد يحيي عام 1981، بطولة ماجدة الخطيب ويسرا ويوسف شعبان وفريد شوقي. الأخير قام بنفسه بكتابة السيناريو، وحوّل الملك لير "الذي يقوم بدوره" إلى قاضٍ على المعاش، يتزوج من ممرضته الشابة، ما يتسبب في المشاكل مع ابنتيه، إلى أن يتنازل عن ثروته، بحثا عن حياة جديدة مع زوجته الجميلة.
يذكر أنه في العام الماضي ظهر مسلسل تليفزيوني تحت اسم "دهشة"، بطولة يحيى الفخراني، اقتبست فكرته الأساسية من مسرحية شكسبير.
وأخيرا فإن هاملت، مسرحية شكسبير الأشهر، والتي شغف بها يوسف شاهين طيلة حياته ولم يجرؤ على تقديمها في فيلم سينمائي، قدّمتها السينما المصرية في مناسبة واحدة في فيلم "يمهل ولا يهمل"، إخراج حسن حافظ، من بطولة نور الشريف وفريد شوقي ومريم فخر الدين وميرفت أمين. وتم العبث بالقصة الأصلية، لتتحوّل إلى حدوتة بوليسية للبحث عن قاتل الأب، ويترك الأمير الدنماركي الأجواء الارستقراطية، ويأتي إلى أحد الأحياء الشعبية، فيما الملك المغدور به من قبل زوجته يصبح تاجرا ثريا.