صباح ومسا.. قهوة وشاي وخمر
"الفنون جنون"، جملة تجري مجرى المثل الشائع على لسان الكثيرين، حين يتعلّق الأمر بعادات المبدعين. وبالتأكيد فإن كثيرا من هؤلاء الذين اتخذوا من قلمهم وسيلة للإبداع؛ عادات تجري في حياتهم مجرى الإدمان. ربما تبدأ بصدفة أو بشكل عارض ولكن لا تلبث أن تتحوّل إلى طقس حتمي وضروري، يفرض على الكاتب حضوره اللازم، كي يكتمل الايهام بالجو المناسب للشروع في العملية الإبداعية، وربما لا يبدأ الإبداع سوى بحضور ذلك المشروب الرفيق.
ليس مبالغا القول بأن كل الوسائل الطبيعية والاصطناعية، مما يعتقد أنها تساعد على الإبداع، وجدت من يجرّبها، لكن هناك مادة تحظى بانتشار وشعبية عالميتين، وعلى مدار الزمن وهي القهوة، التي جمعت بين بيتهوفين، بروست، جلين جولد، فرانسيس بيكون، سارتر وجوستاف ماهلر، وغيرهم.
الكاتب الفرنسي أونوريه دي بلزاك، كان يلتزم روتينا يوميا يقضي بأن ينام في السادسة مساء، ثم يستيقط عند منتصف الليل، ليشرع في الكتابة المستمرة حتى اليوم التالي.
خلال تلك الساعات الطويلة، تلازمه فناجين القهوة واحدا تلو الآخر. وبهذا الإيقاع تمكّن من إنجاز رصيده الكتابي، الذي يقارب 100 رواية وقصة قصيرة، قبل أن يفارق الحياة بأزمة قلبية في سن الـ51.
الموسيقار الهولندي لودفيج بيتهوفن، كان إفطاره يتكوّن غالبا من القهوة فقط، وكان يفعل ذلك بعناية بالغة بأن يعدّ 60 حبّة من حبّات البُنّ لكل فنجان. ثم يشرع في العمل على الألحان لعدة ساعات، قبل أن يخرج في نزهات طويلة.
الفيلسوف الدنماركي سورين كيركيجارد، كان يصبّ القهوة السوداء على فنجان صغير من السكّر الأبيض ويمزجهما معا، ثم يتجرّع المشروب الناتج، الذي كان قوامه شبيها بالطين الموحل.
الأديب الأمريكي فرانك باوم، صاحب الرواية الشهيرة "ساحر أوز المدهش"، كان يستيقظ في الثامنة صباحا، يتناول إفطاره رفقة 4 أو 5 فناجين قهوة قوية، مع الكريمة والسكّر.
أثناء كتابته لروايته الضخمة "بحثا عن الزمن المفقود" في بداية تسعينيات القرن الماضي، عاش الكاتب الفرنسي مارسيل بروست داخل حدود غرفة نومه. كان ينهض من نومه متأخرا فيما بين الثالثة والسادسة مساء، ولا يأخذ وقتا طويلا حتى يدخّن مسحوق الأفيون لتهدئة الربو ـ كما يقول ـ ثم تأتي خادمته بالفطور، الذي يتكوّن من القهوة والكرواسون، وغالبا تكون تلك وجبته الوحيدة حتى آخر اليوم.
الشاعر الأمريكي "و.هـ"، أودن كان يستيقظ مبكرا، يعد قهوته ثم يبدأ في العمل حتى موعد الغداء فيتوقف ويستأنفه لما قبل الغروب. وحين تأتي السادسة مساء فإنها تعلن عن وقت الكوكتيل، الذي يتضمّن عديدا من كؤوس المارتيني الفودكا. وفي الليل كان العشاء يحتوي كميات معتبرة من النبيذ.
كان الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز مدمنا للشاي، يملأ خمسة أكواب من الشاي ويشربها الواحد تلو الآخر، ويكون قد أعدّ لنفسه مزيدا من الشاي، قبل أن يفرغ الكوب الأخير.
الفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار، كانت تبدأ يومها بشرب الشاي. والأديب الروسي ليو تولستوي كان يحمل كوب الشاي معه إلى المكتب بعد تناول الإفطار.
الروائي الإنجليزي مالكوم لوري، صاحب رواية "تحت البركان"، كان لا يكتب إلا إذا شرب مقدارا من الكحول، حتى وإن كان زجاجة عطر.
وأخيرا فالأديبة الفرنسية جورج صاند، ملهمة شوبان وديلاكروا، فكانت قبل الكتابة، تدخن سيجارها وتطلق طاقاتها في الجنس وشرب الخمر.