رقص الغوازي والشمعدان.. من فنون الرقص الشعبي المصري
"نحن شعب يحب الرقص"، جملة تقريرية خبرية لا تحتاج إلى إثبات أو دليل، حين يتعلّق الأمر بالشعب المصري. ومصر، مثل غيرها من البلاد، ابتدعت فنون رقصها الشعبي، ومنحته روحها لتظهر أشكال وألوان مختلفة من الأداءات الإيمائية والحركية، للتعبير عن زخم ثقافي وقدرة دائمة على الإبداع.
وعلّق "ويل ديورانت" في كتابه الموسوعي "قصة الحضارة" على هذا الشغف بالرقص، حين ذكر أن المصريين القدماء كانوا يتقربون من آلهتهم بالغناء والرقص، بينما كان اليونانيون يلجأون إلى البكاء والتضرع.
وهنا يجب التأكيد على أن قضية البحث في الرقص الشعبي الأصيل، ليست همّا نخبويا أو تخصّصيا فقط، ولكن دراسة ثقافية لازمة، لكلّ من يريد التعرف أكثر على مصادر وأدوات إلهام شعب كان مبتكرا منذ القدم في طقوسه. ففنون الرقص الشعبي، تعتبر مستودعا ضخما للمعلومات حول ماضي الأمة وحاضرها، حيث تعكس حركات وشخصيات الرقص آثار عصور مختلفة من تاريخ الأمم ونظرتها إلى العالم، بل وأفكارها وتصوراتها حول الواقع المحيط.
يحاول هذا المقال استعراض بعض الرقصات التراثية، التي هي جزء لايتجزء من الثقافة المصرية.
رقص الغوازي
تشوب محاولات التأصيل لهذا النوع من الرقص الشعبي، اختلافات حول الفصل بين رقص "الغوازي" و"العوالم"، لكن من الثابت تاريخيا، أنه مع بدء هجرات الغجر أو "النَوَر" إلى بلاد الشام، ومن ثمّ إلى أوروبا، استقرّ بعضهم في وادي النيل، وانصهرت تقاليدهم في تقاليد الرقص المحليّة. وكانت نتيجة هذا الانصهار، ظهور الغوازي والعوالم. وبعيدا عن الجدل التاريخي حول هاتين الفئتين، فالغوازي كنّ يرقصن في الشارع، ويتنقلن في الطرقات، ونتيجة لاختلاطهن بالعوالم، تأثّر شكل رقصهن بشكل كبير.
الغوزاي يعتقدن أنهن من طبقة مميزة عن بقية الطبقات في المجتمع، ويحرصن على ألا يتزوجن إلا من أبناء قبيلتهن. اسم غازية جاء نتيجة الأثر الذي يحدثه فن الغوازي، فهو يغزو القلوب. والغازية مغنية وراقصة معا، ترقص وتغني على أنغام الرباب والطبل الصعيدي، الذي يساعد جسمها كله على الحركة الهادئة.
ووفقا لكتاب "أهم الرقصات في الصعيد"، لمؤلفه حسام محسب:
"كانت الغوازى يرقصن بالصاجات في رقصات ثنائية، بحيث تقف الواحدة في وضع مواجه للأخرى، يرقصن في مجموعات ثنائية أو رباعية، ويحاولن في أثناء رقصهن متابعة حركات بعضهن، ويمكن أن يقال في وصف هذا النوع من الرقص الشعبي في مصر أنه يغالي في إثارة الغرائز، وكثيرا ما يرقص الغوازي عندما يحتفل بعرس، أو بميلاد طفل، ويقام ذلك الاحتفال في فناء الدار، أو أمام الباب فى الطريق، ويستأجر الغوازى لتسلية جمع من الرجال في منزل بعض الأثرياء، ويتوقع في هذه الحالة أن يزيد رقصهن فجرا. والسواد الأعظم من العوالم أو الغوازي يكونوا في مقتبل العمر، وعلى حصة وافية من الجمال والحسن.
رقصة الشمعدان
تستعرض فيها الفتيات مهاراتهن في الرقص وعلى رؤسهن الشمعدان، وظهرت لأول مرة علي يد الراقصة الرائدة بديعة مصابني، كجزء من فقرة تتميز بها وتقدمها وحدها في مصر، حيث كانت تستخدم قنديل جاز مشتعل وتضعه على رأسها أثناء الرقص، وانتشرت الفقرة التي أصبحت مميزة للراقصة، ومؤكدة لمهارتها الجسمية الخارقة، وقدرتها علي التحكم في عضلات جسمها بصورة مدهشة.
وكانت أول من علمته الست بديعة تلميذتها الراقصة شفيقة القبطية، التي طوّرت الرقصة من شكلها الشائع باستبدالها القنديل على يديها بشمعدان يحتوي عددا من الشموع على رأسها، وأصبحت المهمة أخطر وأصعب، لكن شفيقة القبطية كانت من البراعة والموهبة لكيلا تنطفيء الشموع.
وبالفعل، أصبحت فقرة الشمعدان جزءًا أساسيا من زفة العروسه المصرية، وأصبحت الزفّة التي تقودها الراقصة من منزل العروسة إلى بيت الزوجية بالشمعدان فوق رأسها، فلكلورا مصريا مميزا.
وللزفة إيقاع منتظم، ومن أشهر أغانيها، "اتمختري يا حلوة يا زينة"، التي تتقدّم فيها الراقصة بالشمعدان فوق رأسها، وتمارس الرقص البلدي بصورة طبيعية جدا، وتحاول في الوقت ذاته الحفاظ على الشموع دون انطفائها.
رقصة البمبوطية
رقصة فلكلورية خاصة بأهل مدن القناة، وانتشرت في باقي المدن الساحلية المصرية، ويتم أداؤها على أنغام السمسمية وآلة المثلث، وهي رقصة تعبيرية عن فنون الصيادين والبحارة وتجار البحر، الذين يعملون على الفلوكات والمراكب العابرة في قناة السويس.
تجمع هذه الرقصة رقصات عدة، تعبر عن الواقع اليومي لأهل البحر وطقوسهم واحتفالاتهم بيوم العمل والرزق، وتتميز الخطوات بسرعتها وخفّتها، كما تتميز بالجانب الصبياني لأداء الحركات، حتى لو أدّتها فتاة.
نتيجة لطبيعة عمل "البمبوطي" في البحر وعلى متن السفن لساعات طويلة، أصبح لتلك الشخصية ميزة في خاصة في الحركة والتنقل، ومن هنا جاءت رقصة البمبوطي، التي تشكّل من خلال مجموعة من الحركات والخطوات تجسيدا لهذه الشخصية، وهي معروفة في المدن الساحلية، وتعبر عن الواقع اليومي لأهل البحر وطقوسهم، حيث يرددون على أنغام السمسمية كلمات بسيطة ومعبرة منها "تسلم يا قنال.. يا أبو رزق حلال".
في عام 1989، أسست فرقة الطنبورة للفنون الشعبية، بهدف جمع تراث البمبوطية، وإعادة إحياء أغانيهم ورقصاتهم.
رقصة الحجّالة
رقصة بدوية، انتقلت من تونس وليبيا إلى مطروح شمال مصر، وتعتبر من أشهر الرقصات التراثية المصرية. تشبه في حركاتها فن الرفيحي ورقصاته (من التراث الحجازي)، وهي رقصة تؤديها إحدى النساء، ويشترط أن تكون منتقبة لا تظهر وجهها ورأسها، وتعتمد في حركات رقصها علي قوة تصفيق الرجال المشاركين، حيث ينتظم الرجال في صف واحد، وخلال فترة انتظار الحجّالة "الراقصة"، تكون هناك أغان يطلق عليها "أغاني الصفّ"، تؤدى على إيقاع أكف الحاضرين، ويكون إيقاعا منظما وقويا، وهو للتسخين لأن الحجالة لم تحضر بعد.
وما هي إلا فترة قصيرة حتى تحضر الحجالة أو الحجالات، تتقدمهم عجوز أو طفل يمسك طرف الراقصة، وتمسك الراقصة بالطرف الآخر، وعندما تصبح الحجالة أمام منتصف الصف تقريبا، يرجع الطفل أو العجوز إلى الوراء، وتبقى الراقصة في مكانها، وفي العادة يحييها الحاضرون في الصف بأغنية أو أكثر.
رقصة الأراجيد
الأراجيد هي رقصة نوبية، ارتبطت في بدايتها بمواسم الزراعة والحصاد، إلى جانب الأفراح واحتفالات الزواج.
والحركة في الرقصة بسيطة لأنها عبارة عن التمايل يمينا ويسارا والعودة مرة أخرى لمكان البدء. وبسبب تلك السهولة نظرا لليونة أجسام النوبيين، نجد أن تلك الرقصة يمارسها الجميع الكبير والصغير والشباب والرجال والنساء، وتستمر الرقصة لساعات طويلة قد تمتد لليل بطوله.
يقف خلالها الرجال والنساء في صفوف منظمة، وتستمر الحركة على أنغام الأغاني النوبية المتميزة، ويمكن أن يشذ عن الصف رجل أو امرأة أو اثنان، ويؤديان الرقص بمفردهم أمام الصف، ويسمى هذا الجزء "أولِّين أراجيد".
ومن العادات الشائعة أثناء الرقص، رش الكولونيا على الموجودين، على الإيقاعات النوبية المتميزة من "كونْبَنْكَاش" أو "نجرشاد" أو "سُكِّي"، وبالأغاني الجماعية التي ينفرد بها النوبيون.