التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 10:44 م , بتوقيت القاهرة

خمس روايات.. خمسة أفلام

ربما يشاهد البعض فيلما محكم البناء، متكامل في قصته وحبكته، فيقول لابد أنه قائم على رواية بالأصل، لكن متعة السرد الأدبي ووصف الأحداث والتفاصيل عادة ما تختصرها الأفلام في معالجتها للأعمال الروائية، وهو ما يطرح مشكلة اختلاف الوسيط وتباين تفاعل الجمهور مع المنتج النهائي لعملية المعالجة. في الأفلام تأتي جماليات جديدة مع شريط الصوت والموسيقى والألوان والمونتاج، وكلّ ما تتيحه فسحة الخيال السينمائي.


الراوية والسينما فنان منفصلان، كل منهما له أسسه وأجواؤه وحيثياته وبنيته الفنية الخاصة به، لكن ثمة علاقة فنية بينهما؛ إذ أن الكلمات تتحول على يد السيناريست والمخرج إلى صور نابضة حية، ويتحول الفن المقروء إلى فن مرئي ومسموع على شكل لقطات سينمائية موحية ومؤثرة. الرواية قد يقرؤها ألف قارئ، بينما الفيلم الذي ينتج عن نفس الرواية من الممكن أن يشاهده آلاف المشاهدين. كما أن الرواية تتغيّر عندما تتحول إلى سينما، وهذا يتوقف على رؤية المخرج وكاتب السيناريو.


عادة ما يعتمد اختيار النص بشكل كبير على رؤية الشركة المنتجة، لكن الأصح دائماً أن يختار المخرج القصة الأقرب إلى قلبه، التي يشعر بها عن قرب، كي يستطيع أن يعيد صياغتها سينمائياً بشكل متقن، وبالطبع ليست كل رواية ناجحة تصبح فيلماً ناجحاً، فتحويل رواية جميلة إلى فيلم جميل تحد غير بسيط بالنسبة لكاتب السيناريو، وكذلك للمخرج، فمهما كانا جيدين لن يتمكنا من صنع رواية سطحية فيلما، أو عملا دراميا يستحق المشاهدة.


ونستعرض خمسة روايات أدبية تحوّلت إلى أفلام ناجحة


To Kill a Mockingbird



نُشرت رواية "أن تقتل طائًرا بريًئا" لمؤلفتها الأمريكية هاربر لي لأول مرة عام ?1960 ومنذ نشرها أصبحت من أكثر الروايات مبيعا، واحتلت موقعا بارزا في تاريخ الأدب الأمريكي المعاصر، كما فازت بجائرة "بوليتزر" للكتاب عام ?1961 وطبع وبيع منها أكثر من 30 مليون نسخة.


الرواية مبنية نوعا على حياة الكاتبة ومشاهداتها وعلاقاتها بالعائلة والجيران، وأيضا على حادث وقع قرب بلدتها عام 1936، حينما كانت في العاشرة، وتم تحويلها إلى فيلم من إخراج روبرت موليجان، رُشّح لثمان جوائز "أوسكار" عام 1962، وفاز بثلاث منها.



يعتبر الفيلم من أفضل المعالجات السينمائية إخلاصا للرواية الأصلية، حتى أن المؤلفة نفسها أُعجبت بالفيلم، واعتبرته أيقونة فنية مساوية للرواية. البراعة الفنية ما كانت لها أن تظهر لولا مقدرة الممثلين على تقديم أداءات متميزة: بطل الفيلم جريجوري بيك، الذي جسد دور المحامي "أتيكوس"، أخلص في تمثيل حركاته وطريقة نظراته وكيفية تعامله مع أبنائه، إلى جانب أداء دقيق ومتمكن من الطفل "جيم"، كما أن صوت "جريجوري بيك" كان مميزا في نقل الانفعالات البشرية إلى المشاهد، وكذلك "جيم" والأداء العذب واللذيذ للطفلة التي قامت بدور الراوي في الفيلم، الذي يعزز فضيلة التسامح الإنساني، وكيفية استقبال الأطفال مفاهيم قاسية ومؤذية لعقولهم الصغيرة، كالعنصرية والتعصب والعنف والجريمة. 



Doctor Zhivago



حققت رواية "دكتور زيفاجو" للأديب الروسي "بوريس پاسترناك" شهرة مدوّية، حين صدرت في إيطاليا عام 1957، ليحصل كاتبها على جائزة "نوبل" في العام التالي على صدورها، ورغم أن باسترناك لم يحتلّ مكانة كبيرة في تاريخ الأدب الروسي مثل بوشكين وجوركي وتشيكوف وتولستوي، فإن هذه الرواية حققت له شهرة عالمية تجاوزت كل هذه الأسماء، بعد أن ترجمت إلى عشرات اللغات، وأصبحت فيلما من أشهر أفلام السينما العالمية.


قصة حب مفعمة بالرومانسية، تجري أحداثها بين عامي 1903 و1929، وهي أعوام الضياع والاضطرابات الدموية في روسيا، حيث تدوّن لنا قصة الثورة البلشفية من وجهة نظر تلك الشخصية المثقفة والمتعمقة في فهم النفس البشرية: الطبيب والشاعر "يوري زيفاجو"، الذي ولد أواخر القرن التاسع عشر، وأنهى دراسة الطب في أثناء الحرب العالمية الأولى.


فبينما يتغير المشهد السياسي ويسقط نظام القياصرة الروس، تعكس علاقات دكتور "زيفاجو" الاضطراب السياسي الذي كان يسيطر في جميع الأوساط، نتيجة أحداث الثورة، وكذلك الحرب العالمية الأولى، التي كانت تدور رحاها في تلك الفترة. لا تناقش الرواية الأحداث السياسية، لكنها تركز على التحوّلات الحاصلة للأفراد، الذين تجرفهم السياسة دون قدرة على إحداث أي تغيير فيما يدور حولهم، وكيف تتغير المواقف وتتبدل الأفكار بين الثوار قبل السلطة، والثوار بعد السلطة، وماذا تفعل السلطة في البشر.



أخرج الفيلم المخرج البريطاني ديفيد لين، وأدّى دور الدكتور "زيفاغو" الممثل المصري عمر الشريف، والممثلة جولي كريستي دور حبيبته "لارا"، فيما مثّلت جيرالدين تشابلن دور زوجته. وألف الفرنسي موريس جار موسيقى الفيلم، الذي حاز على خمس جوائز أوسكار.



The Bridges of Madison County



صدرت رواية "جسور مقاطعة ماديسون" لروبرت جيمس والر عام 1992، وأصبحت من أكثر الروايات مبيعا وقتئذ، ربما بسبب مادتها الإيروتيكية التي أثارت فضول القرّاء حول العلاقة المحرّمة في وسط اجتماعي صارم (ولاية آيوا)، لا يتقبل نزوات أحد أفراده، ويعاقبه بالسمعة السيئة والقيل والقال إذا ما فكّر في تخطّي الحدود الأخلاقية الشائعة.



لفتت الرواية انتباه الممثل والمخرج الأمريكي كلينت إيستوود، فحوّلها إلى فيلم بنفس العنوان عام 1995، يدور حول قصة زوجة أربعينية من أصول إيطالية، فرانشيسكا جونسونالتي "ميريل ستريب"، التي تجد نفسها في مفترق طرق، فتبدأ بالتشكك في طريقة حياتها، ثم يسافر زوجها وابنها إلى ولاية إلينوي، لتجد نفسها وحيدة.


تقابل بالصدفة رجلاً ضلّ طريقه، روبرت كينكايد "كلينت إيستوود"، يطلب منها أن تدلّه إلى جسر روزمان من أجل تصويره لمجلة "ناشيونال جيوجرافيك" فتوافق على مضض، ثم ينشأ بينهما إعجاب، ومن ثم حب فتتعلق به وتجد نفسها بين خيارين: أن تترك عائلتها وتهرب معه، أو تهرب من قلبها وتختار عائلتها.


برقة ورهافة بالغتين، رسم إيستوود قصة حب في فيلمه المكاني بامتياز، متكئا على تيمة الجسر بمعناها الحرفي والمجازي، حين تولّد المصادفة جسرا بين البطلين، يمكنهما عبوره لحياة أفضل، لكن في نهاية الفيلم يفترقان عن بعضهما، ويصبح الجسر مكانا يحتفظ بذكرى تعارفهما، تحته تبادلا التقاط الصور ومشاعر الحب.



Fight club



عام 1996، نشر كاتب أمريكي مغمور يدعى تشاك بولانيك روايته الأولى "نادي القتال"،  بعد رواية سابقة لم يجد من ينشرها. بولانيك، الذي ترك الإعلام وقرر التفرغ لكتابة الأدب، قدّم في روايته لكمات قوية للنظام الاستهلاكي الحديث والروح الغربية، وعلى غير المتوقع، لاقت الرواية نجاحا نقديا وجماهيريا ساحقا.



في عام 1999 تم تحويل الرواية إلي فيلم من بطولة إدوارد نورتون، الذي قام بدور راوٍ غير مُسمّى، وبراد بيت، وحاز الفيلم على إعجاب النقاد أيضا، لكن الغريب أن الفيلم لم يحصل إلا على جائزة أوسكار واحدة عن الموسيقى التصويرية.


وأبدى بولانيك إعجابه الغيور من سيناريو الفيلم، لتناوله قضايا زائدة علي قضايا الرواية، الأمر الذي جعله بمثابة إنجيل أناركي لشباب التسعينيات الغاضب في مواجهة المجتمع الرأسمالي الممل، وتفريغ الغضب الطبيعي الناتج من الحياة في مجتمع كهذا.


قدّم المخرج الدؤوب ديفيد فينشر واحداً من الأفلام المحفزة على التفكير والتأمل، في دراسته لواحدة من أشد حالات الانفصام الشخصي تطرفا.



The Shining



 وسط أجواء محبطة دفعته للتوقف خمس سنوات عن العمل السينمائي، قرر المخرج الأمريكي ستانلي كوبريك العودة للإخراج، والعمل على فيلم يحقق معادلة النجاح الجماهيري والنقدي في الوقت ذاته.


وهكذا خرج كوبريك من مكتبه ذات صباح، وعاد بكومة ضخمة من الروايات لقراءتها، والبدء في رحلة بحث طريفة عن رواية فيلمه القادم. قضت سكرتيرة مكتبه هذا اليوم تستمع إلى صوت الكتب التي تتطوح في الهواء كل خمس دقائق، حتى ظنت أنه لن يجد غايته أبدا، لكن صوت الكتب المرتطمة بالحائط توقف أخيرا بعد ساعات، فتسللت إلى مكتبه لتراه يقرأ رواية ستيفن كينج الثانية "البريق" باستمتاع تام. وحين خرج أخيرا من مكتبه، أعلن أنه يريد بدء التصوير في أقرب وقت ممكن.



اختلف الفيلم عن الرواية، لإهمال كوبريك عناصر كثيرة لتتكيّف مع رؤيته الفنية، لكنه قدّم أحد أفضل أفلام الرعب الأمريكية، سبق بفكرته العديد من أفلام الرعب الأخرى، وقدّم اقتراحات جديدة لمعالجة عدد من الشائعات. جسّد البطولة النجم جاك نيكلسون في دور حارس فندق جبلي يتم اغلاقه في الشتاء، ليسكن فيه هو وعائلته لمدة طويلة وحدهم، على أن تتسبب عاصفة ثلجية في حصارهم داخل الفندق، الذي يكتشف الحارس أنمه مسكون بالأشباح، التي تستولي على عقله تماما، وتخرج الأمور عن السيطرة.


يقدم كوبريك حالة مريبة من الشكّ، أثّرت ليس على مشاهديه فقط ولكن ممثليه أيضا. يذكر أن أحد المشاهد، وكان يتضمن الممثل سكاتمان كروثرز أُعيد تصويره المشهد 160 مرة، ما تسبب في شائعة جنون كوبريك وهوسه بالكمال الفني.