تعددت المريمات والمجدلية واحدة
تعتبر مريم المجدلية إحدى الشخصيات المذكورة في تاريخ المسيحية، ويراها البعض الآن أنها كانت الأكثر جدلا في العصور الأولى للمسيحية، حيث تتعدد الروايات عن حقيقة هوية المجدلية تحديا.
هل كانت المرأة الزانية؟
مريم المجدلية واحدة من السيدات التي يحملن اسم مريم في العهد الجديد من الكتاب المقدس، وكل المريمات في الأناجيل مجهولات النسب، حيث يشار إليهن نسبة للزوج أو الأخوة، وأحيانا يكتفي الكتاب المقدس بقول "مريم الأخرى"، فمريم العذراء تعرف بابنها، وهناك مريم أم يعقوب، ومريم زوجة كلوبا، وأيضا مريم أخت مرثا، إلا أن مريم المجدلية تميزت بالمجدلية نسبة إلى قريتها مجدل، المذكورة في إنجيل متى وتقع قرية على ساحل طبرية.
ولا زال حتى الآن يختلط على البعض من هي مريم المجدلية من بين مريمات، حيث تذكر الأناجيل أن السيد المسيح أخرج منها 7 شياطين، فآمنت به وظلت تتبعه حيثما ذهب، وكانت حاضرة وقت الصلب، ويعتقد البعض إنها الامرأة التي أمسكت في واقعة زنا وغفر لها السيد المسيح خطيئتها.
ويلاحظ أنه عند الكلام عن المرأة الزانية، اسم المرأة غير مصرح به في الأناجيل الأربعة، وعندما تحدثوا عنها اكتفوا بقول "المرأة الخاطئة"، والتي مسحت رجلي السيد المسيح بشعر رأسها والطيب، ولم يذكر اسمها، فالإخفاء متعمد، حيث يعتقد البعض إن القصد من ذكر القصة هو العبرة وعدم فضح المرأة.
بينما يرفض آخرون ذلك، ويروا أنه من المستحيل اعتبار مريم المجدلية هي المرأة الزانية، ونشأ هذا عن الخلط بين المريمات، حيث يشيرون أيضا أنه في إنجيل لوقا يتكلم عن موقفين متتاليين، ولكنهما مختلفين، كل حدث فيهما يختلف عن الآخر، فقد تكلم في الأول عن المرأة الخاطئة، وبعدها مباشرة تكلم عن مريم المجدلية التي خرج منها 7 شياطين، دون أن يشير من قريب أو بعيد لأي صلة لها بالمرأة الخاطئة المذكورة قبلها مباشرة، وهذا يرجح لدى البعض أنها امرأتان مختلفتان.
مريم المجدلية في التراث المسيحي
وفي الرسومات والتماثيل التي تعود إلى التراث المسيحي في القرون الأولى، تم رسم صور مريم المجدلية بصفات القداسة والأيمان، وابتداء من القرن الرابع تغيرت تلك الصفات إلى أخرى أقل شأنا، مثل صفة "الزانية" أو "الخاطئة" التي بعد أن التقت بالمسيح تابت عن خطاياها، وقضت بقية حياتها تتبع السيد المسيح.
وجاءت أغلبية الرسومات الخاصة بالمجدلية، التي يصوّرها الفن الكنسي في القرون الوسطى، بشكل امرأة عارية الصدر، ويأتي هذا تجسيدا للعار الذي يسبق الشعور بالتوبة والعودة إلى الله.
الشاهدة الأولى على القيامة
وبالرغم من اختلاف الآراء حول هوية مريم المجدلية، إلا أنها تعتبر من الشخصيات ذات المكانة العالية، حيث كانت حاضرة عند صلب المسيح، ويقول الإنجيل بحسب ما كتب القديس مرقس إنها أول من ظهر للسيد المسيح بعد قيامته، حيث تعتبر الشاهدة الأولى على القيامة، ففي زيارتها للقبر بعد صلبه حملت له الطيب والحنوط لتدهن به جسده، فوجدت القبر فارغا، فظلت واقفة عند القبر خارجا تبكي، فشهدت ملاكين بثياب بيض، جالسين واحدا عند الرأس والآخر عند الأرجل، حيث كان جسد المسيح موضوعا.
فقالا لها الملاكان "يا امرأة لماذا تبكين"، قالت لهما "أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه"، ولما قالت هذا التفتت إلى الوراء فشاهدت السيد المسيح واقفا، ولم تعلم أنه المسيح، وقال لها يا امرأة لماذا تبكين؟ ومن تطلبين؟ فظنت مريم أنه البستاني، فقالت له يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقل لى أين وضعته وأنا آخذه، فقال لها يا مريم.. فالتفتت له وقالت له "ربوني" وتعني "يا مُعلم"، وطلب منها أن تذهب للتلاميذ وتجبرهم بما حدث.
وورد في التاريخ المسيحي أنها سافرت بعد قيامة المسيح إلى رومية، وعرضت شكواها على الأمبراطور طيباريوس قيصر ضد بيلاطس البنطي بشأن الظلم الذي ألحقه بالسيد المسيح، ما جعل طيباريوس يعزل بيلاطس، كذلك ورد أن مريم المجدلية بشّرت في بلاد الغال (فرنسا)، ثم انتقلت إلى مصر وفينيقيا وسوريا وبلاد أخرى.
وبعدما أمضت بعض الوقت في أورشليم انتقلت إلى أفسس، حيث توفيت هناك، وفي العام 899 م نُقل جسدها إلى القسطنطينية تحت أمر الأمبراطور لاون السادس الحكيم.