سانت فاتيما.. حكاية القديسة المسلمة
من منا لا يعلم أو يسمع بميدان سانت فاتيما بالقاهرة، فإذا تجولت في شوارع حي مصر الجديدة وسألت عليه، سيدلك الكثيرون للميدان، لكن هل تبادر إلى ذهنك يوما من هي سانت فاتيما؟، وكيف لاسم مسلم أن يسبقه لقب قديسة؟
سألنا عددا من سكان مصر الجديدة "من هي سانت فاتيما؟"، فكانت أكثر الإجابات بأنهم لا يعلمون من هي، والبعض أجاب بأن اسم فاتيما هو أحد أسماء "مريم العذراء"، و"قديسة مصرية بركة"، بينما أطرف الإجابات، عندما زعم أحدهم أنها السيدة فاطمة الزهراء، ابنة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم.
أصل الحكاية
تعود القصة لعام 1492 عند سقوط مدينة غرناطة بعد عدة معارك شنها الجيش المسيحي ضد المسلمين في الأندلس، فكانت تدور معركة دامية عند قصر الملح بقيادة الملك ألفونسو الأول، وانتصر جيشه وغنم وسبى جيش المسلمين، وكان من ضمن السبايا أميرة مسلمة أندلسية من أميرات القصر تدعى "فاطمة"، فكانت من نصيب حاكم مدينة "أوريم"، أجبر الأميرة الأندلسية على اعتناق المسيحية وتعميدها حسب المذهب الكاثوليكي، قبل أن يتزوجها الحاكم وأطلق عليها اسما مسيحيا "أوريانا"، ويعنى المشرقة باللغة القشتالية.
اشتهرت الأميرة فاطمة أو أوريانا بالمستوى العالي من الثقافة والعلم والآداب، ودرايتها الشديدة بالشعر واللغات، فكانوا يصفونها بالمكتبة المتنقلة. كما أنها كانت جميلة الوجه، وذات أخلاق عالية، وعرفت بطيبة القلب والتواضع ومعاملتها الحسنة للناس، سواء مع الحاشية أو عامة الشعب.
أصبحت محبوبة بين كل طبقات المجتمع، لدرجة أن سمى الناس القصر الذي كانت تعيش فيه والمنطقة المجاورة باسمها "قصر وساحة فاطمة". ومع مرور الوقت، أصبحت هناك قرية صغيرة قرب "أوريم" تدعى "فاطمة"، على بعد 123 كيلومتر من شمال لشبونة.
ولم يكن أحد يعرف هذه القرية الصغيرة، التي كانت تتكون من 25 بيتا فقط، إلا أنها الآن أصبحت من القرى المشهورة بسبب الأميرة فاطمة، التي عاشت فيها بقية عمرها حتى توفيت في ظروف غامضة، ولا أحد يعرف مكان دفنها حتى اليوم.
معجزة القديسة فاتيما
يعتبر يوم 13 يوليو عام 1917 ـ قبل انتهاء الحرب العالمية الأولى ـ يوما تاريخيا في قرية "فاطمة" والبرتغال بأكملها، حيث خرج ثلاثة صغار من رعاة الأغنام لهذه القرية، وهم لوسيا وابن عمها فرنسسكو وأخته خاسينتا، فبعد أن أنهوا صلوتهم وتسبيحهم، صعدوا تلة لإحضار بعض الأحجار الصغيرة للعب بها، فظهر لهم ضوء قوي في السماء، اعتقدوا أنه برق، وأن الجو سيصبح سيئا، ما يستدعى جمع الغنم والعودة إلى القرية سريعا، وعند نزولهم ظهر لهم الضوء مرة أخرى، فشاهدوا امرأة يحيط بها نور ساطع قوي، وفي يدها مسبحة بيضاء.
وقالت لهم أنها السيدة العذراء المسبحة ويجب عليكم دعوة الناس للصلاة والتقرب من الرب أكثر، بعد أن ابتعدوا عنه وانشغلوا بماديات الدنيا، وأنها ستعاود التجلي مرة أخرى في اليوم الـ13 من كل شهر.
وفي تجليها السادس في شهر أكتوبر، حضره أكثر من 70 ألف شخص من الطائفة الكاثوليكية من مختلف القرى والمدن المحيطة، وحثتهم على الصلاة وطاعة الرب، وأخبرتهم بوصايا للتقرب إلى الله، فوصفت لهم الملكوت وكيفية خلاص النفوس من الجحيم والوصول إلى السلام.
وصارت التجليات تثير اهتمام المؤمنين الكاثوليك بصورة رئيسية، وبعض الإيطاليين والإسبان، ليتفقوا في عام 1928 على بناء كنيسة ضخمة في موقع التجلي، بمساعدة الشاهدة الباقية الوحيدة من الأطفال الثلاثة، بعد وفاة فرانسيسكو وأخته خاسينتا من وباء الإنفلونزا، الذي اجتاح أوروبا عام 1919، بينما كبرت ابنة عمهما لوسيا، ودخلت الدير ودرست الكهنوت، وأصبح اسمها الأخت لوسيا.
أقيمت الكنيسة الكبيرة على التلة، التي حدث عليها التجلي في القرية، وأصبحت مركزا للقرى، وأطلقوا عليها اسم "كنيسة القديسة فاطمة"، حيث جرت العادة المسيحية على إطلاق اسم القديسة متبوعا باسم المكان المقام عليه الكنيسة.
ومما يجب ذكره، بأنه لا يوجد أحد مدفون داخل الكنيسة، وتم نقل رفات الأخوين فرانسيسكو وخاسينتا بعد 30 عاما من وفاتهما في مكان مجاور للكنيسة، ولم يتم نقل رفات ابنة عمهما لوسيا حتى الآن، رغم مضي سنوات على وفاتها.
"سانت فاتيما" مزار عالمي من البرتغال إلى مصر الجديدة
يأتي المسيحيون الكاثوليك من مختلف البلدان، للتبرك وطلب المراد من كنيسة القديسة فاتيما، وذلك زحفا على الركب. وقيل الكثير عن استجابة الله لدعاء المرضى وأصحاب الضيقات عند الدعاء في المكان، الذي تجلت فيه للرعاة الأطفال الثلاثة، وحتى أن البابا جون بول الثاني، حضر بنفسه لهذه الكنيسة بعد سلامته من الموت في حادث الاعتداء عليه عام 1981.
يوجد في مختلف أنحاء العالم أسماء قرى ومدن، مسبوقا بكلمة القديسة أو القديس، بعد تطويب الميت من قبل الفاتيكان، واعتباره قديسا أو قديسة، وهذا تقليد كنسي لتكريم الأشخاص بعد موتهم، وكانوا يتميزون بخدمات إيمانية كبيرة. وكان من ضمن تلك الأماكن كنيسة ومنطقة سانت فاتيما بحي مصر الجديدة.