التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 03:50 م , بتوقيت القاهرة

نفس الفيلم.. ورقم مختلف في Furious 7

بدايات صيف 2001 والكل ينتظر أفلام ضخمة الإنتاج تجاوزت تكلفتها الـ 100  مليون دولار، من نوعية كوكب القرود  Planet of the Apes  للمخرج تيم بيرتون، أو بيرل هاربر Pearl Harbor  للمخرج مايكل باي. وسط معمعة الكبار، يأتي فيلم أكشن صغير بعنوان السريع والغاضب The Fast and the Furious  بتكلفة 38 مليون دولار، من بطولة أسماء غير مصنفة كنجوم، ليصبح الحصان الأسود في الموسم، بإجمالي عالمي تجاوز 207 ملايين دولار.


آراء النقاد تباينت، واعتبر الغالبية الفيلم مجرد إعادة إنتاج غير رسمية لفيلم Point Break 1991  للمخرجة كاثرين بيجلو والنجمين كيانو ريفز وباتريك سويزي، مع إضافة مطاردات السيارات كإطار أساسي لمشاهد الأكشن، لكن في النهاية الأرقام فقط هي ما يهم هوليوود، ولهذا أعلنت شركة يونيفرسال سريعا عن بدء التحضير لجزء ثان.


رغم هذا النجاح وقرار صناعة فيلم آخر، لم يكن أحد من صناع الفيلم يتخيل ولو للحظة، أن هذا العمل سيصبح نواة منجم الذهب لشركة يونيفرسال في الألفية الثالثة، وأن هذه السلسلة ستشهد نجاحا متواصلا يكفل لها الوصول للفيلم السابع عام 2015. وأن ما بدأ كعمل متوسط التكلفة، سيصل الى مرحلة تسمح بميزانية 250  مليون دولار للفيلم الواحد. 



الفيلم السابع شهد تغييرات مهمة بعضها اضطراري أثناء التخطيط والتنفيذ، توحي بتغيير واختلاف حتمي في النتيجة النهائية. على رأسها تولي مخرج الرعب الشهير جيمس وان المهمة، خلفا لـ جاستن لين، الذي أخرج آخر 4 أفلام من السلسلة. ووفاة الممثل بول ووكر في نوفمبر 2013 في حادث سيارة، بعد أن صور أقل من نصف مشاهده للفيلم. وهى الكارثة التي أوقفت التصوير وأخرت عرض الفيلم من  2014 لـ 2015  حتى إيجاد حلول تسمح باستكمال الفيلم بدونه، واستمرار السلسلة مستقبلا مع غياب الشخصية.


وان المتخصص في صناعة أفلام رعب من نوعية Saw - Insidious - The Conjuring  اختيار يوحي نظريا بمزيد من التشويق وأجواء الغموض البوليسية، بدلا من الأكشن. وهو التوقع الذي أراد نفيه عن فيلمه فورا مع مشهد الافتتاحية والعناوين، الذي يظهر فيه ديكارد شو (جيسون ستاثام) وهو يتعهد بالانتقام من أبطال السلسلة بعد مقتل أخيه في الجزء السادس. على خلفية موسيقى صاخبة وتفجيرات متواصلة بشكل استعراضي، تُمهد الجمهور منذ البداية بشكل صحيح لإيقاع الفيلم. 


أمامنا فيلم آخر لا يختلف كثيرا عن آخر أفلام في السلسلة. فيلم من النوع الذي تتنحى فيه كل قواعد المنطق والفيزياء، وتقفز فيه سيارات من طائرات لتصل الى الأرض سالمة. وتقفز فيه أوقات أخرى سيارات من الأرض لاصابة طائرات في الجو!.. مع أشرار بنظارات شمس يرددون بابتسامات عريضة عبارات مثل (أنا معجب جدا بفريقك يا دومينيك)، وأبطال يرددون نفس الجمل المكررة عن أهمية العائلة والأصدقاء والثقة والوفاء.. الخ.



التكرار أزمة سببها الرئيسي سيناريو كريس مورجان، الذي تولى المهمة للمرة الخامسة على التوالي في السلسلة. ومن الواضح أنه استنفد تماما كل ما لديه، ولم يعد أمامه إلا تكرار نفس الأحداث، والقوالب الثابتة في الجمل والعبارات. حوارات تهديدية من نوعية (سأضعه في كيس جثث). أو تمهيدية للأكشن من نوعية (بابا سيعود للعمل). أو رومانسية من نوعية (بعد أن عرفتك تغير كل شىء في حياتي). جمهور السلسلة العاشق للأكشن، لا ينتظر حوارا فلسفيا شكسبيريا بالتأكيد، لكن قليل من التجويد والتجديد لن يضر. 


الإفلاس في الأفكار يظهر بوضوح أكثر عندما ينتقل الأبطال إلى مدينة أبو ظبي. لا جديد يذكر أو توظيف مميز للمكان ومناخه وثقافته. ويمكنك ببساطة مع تعديلات طفيفة، صناعة المقطع في أي دولة أخرى أو ولاية أمريكية. للمقارنة لاحظ مثلا كيف استفاد توم كروز وفريق عمل  Mission: Impossible Ghost Protocol 2011  من نفس الأجواء، في صناعة مشاهد ممتازة مرتبطة بالمكان. الأول مشهد الأكروبات والتسلق على برج خليفة (أطول مبنى في العالم وقت صناعة الفيلم). والثاني مشهد المطاردة الشرسة وسط العاصفة الرملية. 


هذا باختصار الفارق بين سيناريو ذكي يعرف كيف يخلق جديد، ويتحرك في اتجاهات مختلفة لتحقيق مكاسب حقيقية، وسيناريو هش يتحرك في مسار دائري مغلق، ويُعلب منتجا قديما في غلاف وهمي من التجديد. أتعشم أن تقلع الرحلة الثامنة للسلسلة، مع سيناريست آخر لديه الشجاعة والمهارة، لإدارة المُقود في اتجاهات جديدة فعليا.



إخراج جيمس وان أقل نسبيا من سابقه، واعتمد على الجرافيك بشكل أكبر، وهو عنصر آخر أضر الفيلم. ولأن المسار تصاعدي في السلسلة، لم يعد من الممكن أن تزايد على المشاهد السابقة، دون أن تسحب الأبطال والأحداث إلى مرحلة فيلم (السوبر هيرو). في وقت ما في الأجزاء السابقة كانت المبالغة أن تطارد سيارة دبابة على طريق سريع. الآن وصلنا إلى مرحلة تقفز فيها السيارات من طائرات بالبراشوت لتهبط على أسطح جبال. أو تقفز فيها سيارة مسرعة من داخل برج عملاق لتخترق برج آخر. في مشهد يحتوي على كمية جرافيك، تفوق ربما أى فريم من لعبة Need For Speed  الشهيرة، حرصت الشركة على استعماله في بوستراتها الدعائية. 


أمامنا باختصار كمية تدمير شامل ومبالغات، تعادل أى فيلم سوبر هيرو من نوعية  Avengers  أو Man Of Steel. وهى مأساة لأن الشخصيات الخارقة الخيالية تملك بالفعل، الأسس والقواعد لصناعة مشاهد ومزايدات من هذا النوع. وتملك أيضا روح الكوميكس، التي تجعلنا نتقبل عيوب جرافيك واضحة هنا وهناك.



على صعيد آخر، فإن النجاح التجاري بشكل تصاعدي مستمر آخر 3 أجزاء، دليل أن التركيبة المكررة راقت لملايين. وأن السلسلة على وشك (أو أتمت) مرحلة التحول إلى نموذج بمواصفات قياسية، يعادل مثلا نموذج جيمس بوند. وإذا نظرنا للفيلم من هذه الزاوية، فنحن إذا نتحدث عن فيلم يعرف هويته وقالبه جيدا، ويجاهد ليصبح أقوى ما يمكن تقديمه في هذا القالب. 


يمكنك هنا أن تستنتج قبل انتهاء الفيلم حوارا ستسمعه حتما في ممرات الخروج من نوعية (شفت حتة لما نطوا من البرج؟)، ورد من نوعية (جامدة فشخ بس حتة الطيارة أفشخ منها). 


في جميع الحالات، لا يزال فان ديزل يتمتع بكاريزما لم تنضب بعد في الفيلم السابع، وفعليا هو الوقود الحقيقي للسلسلة. ينافسه هنا جيسون ستاثام بشخصية قدمها عشرات المرات، لكن لا يزال أفضل من يقدمها، وإن كانت مساحته الزمنية أقل من المتوقع. وكيرت راسل في دور لا يضيف إليه الكثير، لكنه غالبا تمهيد لمساحة أكبر وأهم في الأفلام القادمة. وهى خطوة ذكية من راسل، الذي غادر مرحلة النجومية منذ سنوات.



الأدوار النسائية لا تقدم جديدا. ومن وقت لآخر ستتابع الكاميرا بتركيز قواما نسائيا مثيرا. وستبتسم غالبا في كل مشهد لـ هوبز (دواين جونسون) الذي يظهر بشكل محدود في هذا الجزء، لكن يعوض هذا بفضل جمل حوارية ساخرة. ومشاهد أكشن ممتعة مبالغ فيها لدرجة شبه كاريكاتيرية، تحاول فيها عدسات الكاميرا عرض تكوينه الجسماني بشكل كامل. وهى مهمة تعادل حاليا في درجة الصعوبة، تصوير جودزيلا!


نأتي الآن لنقطة الوداع مع بول ووكر، واستكمال الفيلم بعد وفاته. وهى المهمة الأصعب على الإطلاق لصناع الفيلم. سنتعرض لهذه النقطة تقنيا قريبا في مقال كامل منفصل أكثر شمولية، لكن باختصار تكلفت رحلة اعادته لإستكمال الفيلم 50 مليون دولار إضافية، تتضمن بالأساس توظيف الجرافيك لوضع وجهه على جسد بديل أخر. بعض المشاهد الطفيفة يمكن فيها للمختصين اصطياد الجرافيك، لكن إجمالا قام فريق العمل بجهد جبار وممتاز في هذه الجزئية. وعلى الأغلب لولا معرفتي بالموقف ككل، وتركيزي على تصيد هذه الجزئية في كل مشهد له، لما لمحت أي شىء مريب.


نواة السيناريو لخلق مسار كامل جديد للشخصية بعد الوفاة، يحتاج إلى استكمال بسيط في بعض المقاطع، كانت ما قام بتصويره قبل الحادث. مع بعض المشاهد التي تم تصويرها في الأفلام السابقة ولم تُستخدم، وتم هنا إعادة تدويرها. إضافة لجمل وعبارات نطق بها، وأعيد هنا تركيبها وتوظيفها صوتيا، في مقاطع حوارية جديدة أمام الشخصيات الأخرى. ألاعيب الجرافيك المكلفة كانت ضرورية أحيانا. وستلمح في مشاهد أخرى، حلول بديلة أسرع وأقل تكلفة، مثل تصوير بديل من الخلف، أو من زاوية لا تعرض الوجه بشكل كامل. أو تصوير البديل وهو يحمل طفلا، يحجب ظهور وجهه للكاميرا.. إلخ. 



بصفة عامة ولفترة طويلة من الآن لن نعرف تفصيليا كل الحيل والألاعيب المستخدمة، لأن أي فيديوهات  Making  حاليا ستخلق انطباعا سلبيا ونفورا لأغلب الجماهير، التي تريد أن تقتنع أنها ترى نجمها الراحل فعلا طوال الوقت على الشاشة. وسيرى البعض في عرض الحلول نوعا من إهانة الذكرى. وهى نقطة سينتج عنها إيرادات أقل. لكن أتعشم أن نشاهد يوما ما Making  كاملا ودقيقا، لكل لقطة ظهر فيها بول ووكر، دون وجوده فعليا. بعد أن تجني يونيفرسال الثمار كلها في شباك التذاكر، والتي ستفوق ربما الجزء السادس (798 مليون دولار عالميا).


أمامنا باختصار درس هوليوودي ممتاز ومهم في إدارة الأزمات، لنعرف كيف يمكن أن تستمر صناعة فيلم، بدون بطله!.. والأهم من هذا أن السيناريو فعلا رغم كل عيوبه، يودعه عاطفيا وفنيا بالشكل اللائق، في خمس دقائق أخيرة جيدة جدا، يسقط فيها نسبيا الحائط الرابع، ليصبح الوداع خاصا ببول ووكر وشخصية بريان أوكونور في وقت واحد. 


ووكر الذي مات في حادث سيارة بسبب السرعة، عاد للشاشة ليضخ الوقود في سلسلة تعتمد على مطاردات السيارات والسرعة كمركز إثارة!.. ووحدها هوليوود التي تملك الخبرات والذكاء والحس التجاري، لتوازن بين النقيضين وترضي جمهور الفيلم وجمهوره. لتخرج من الورطة والحادث سالمة، بصورة تضمن فيها مستقبلا واعدا، تسير فيه السلسلة بأمان تام، بنفس عنفوانها في شباك التذاكر!  



باختصار:
الجولة السابعة تنجح ببراعة تصل للامتياز في المهمة الأصعب بخصوص وفاة بول ووكر، وتفشل بنفس القدر في المهمة الأيسر وهى ضخ جديد للسلسلة. إذا كنت لا تمانع مشاهدة الأجزاء  5 و 6 من جديد على الشاشة الكبيرة، فالفيلم اختيار مثالي يوفر لك هذه الفرصة. إذا كنت تبحث عن جديد، وفر وقتك ووقودك لجولة سينمائية أخرى.


لمتابعة الكاتب