حكاية عليش ومسعدة والعنف المنزلي
عليش هو اسم سأطلقه هنا على رجل ريفي في الأربعينات من عمره كان يتحدث معي بأريحية عن قضية معينة، ولكنه على هامش كلامه قال إن زوجته( التي سأطلق عليها مسعدة) ظلت تثرثر عند عودته للمنزل متعبًا (وإنها ما اتكتمتش غير لما اتمست بالعلقة زي كل يوم)، كانت هذه ملاحظة عابرة لكنني قررت تحويله لموضوع أساسي فسألته عن القضية محاولا سرًا تقمص دور الطبيب النفسي.
عليش يرى أن النساء (حداهم ) ثقافتهن قائمة على العنف بشكل طبيعي، وإن محاولة (ردعهن) عن أي (خطأ) لا يكون إلا بالعنف، العنف تجاه زوجته أو ابنته أو أخته هو أمر عادي جدا، في إطار قوامته وولايته عليها.
جريمتها هذه المرة كانت الثرثرة فقط ولكن السبب غير مهم، فهو نفسه يعتبر أن اعتداءه عليها بالضرب هو سلوك يومي لا يحتاج لمبرر.
ولأنه لا يمكن مناقشة مثل هذا الشخص بمنطق عدم وجود حق له في الاعتداء عليها من الأساس، فقد انتقلت إلى زاوية إضرار هذا بسعادته الشخصية، ولكنه لسخرية القدر أكد لي أنهم نموذج للأسرة السعيدة وأنها معتادة على ذلك، بمعنى أنها تستيقظ في اليوم التالي وتتعامل معه بشكل عادي.
شاهد فيديو لأحد أشكال العنف المنزلي بالصين
لا بد أن الرجل سأل نفسه عن المبرر الذي يجعلها تتعامل معه بشكل طبيعي بعد كل مرة، الغضب هنا أمر طبيعي لا تحتاج لتعلمه، أي كائن يتعرض للأذى من كائن آخر يكون له رد فعل تجاهه أو مشاعر سلبية، لا يعقل أن يكون سعيدًا بمن يسبب له الأذى، ولا شك أن عليش وصل للنتيجة نفسها أنه سيطر عليها بعد عدة مرات وأنها (مش هتخالف طوعه) تاني أبدا.
ولكن إذا كانت زوجته قد عرفت كل طباعه وما يثير غضبه فبالتأكيد سوف تتجنبه ومع الوقت سيصبح العنف حالة تحدث على فترات متباعدة، فلماذا إذن تحول العنف إلي سلوك يومي؟ لأنه هو ذاته أصبح يستمتع بشعوره بالسيطرة عليها، لم يعد هناك هدف من العنف، إنه لا يمارس العنف ليدفعها إلى اتخاذ موقف معين، بل يمارسه ليستمتع بشعور السيطرة على كائن عاجز
إنه هنا يكرر نموذج الطفل المشرد في شوارعنا الذي يحاول تعذيب قطة بفقأ عينها أو ربط ذيلها بحبل، أو ركلها إلخ أن غريزة العدوان انطلقت في طفولته، وزادت وتضخّمت ثم تمكن من تمديد عدوانه على زوجته، وحتى على أطفاله الذين يحبهم، من المؤكد أن عليش يقوم بتعويض إحباطاته اليومية على جسد زوجته، فإذا تعطّلت بعض مصالحه أو خسر بعض أمواله فإنه يتسلى بضربها ليستعيد ثقته بنفسه.
تستطيع بالتالي استنتاج أن الرجل يستمتع بالسيطرة على الآخرين وإذلالهم، ولكن لكونه لا يستطيع تنفيس هذه المشاعر إلا في زوجته، فستصبح هي الهدف الدائم لهذا العنف، ومن المؤكد أنه يتطور إلى أشكال أخرى مثل اغتصابها فالاغتصاب هنا ليس بالضرورة بحثًا عن متعة جسدية خالصة، بل متعة جسدية مقترنة بالسيطرة الكاملة على الآخر ومسخ شخصيته، وتحويله إلى تابع، إنه ببساطة يعاملها بفكرة الجارية التي يصبح جسدها مسرحًا لخدمته ولإمتاعه ولإشباع رغبته في قهر الآخر.
من جانب آخر فبالتأكيد أن مثل هذا الشخص هو خطر على الآخرين فهو لا يزرع في أطفاله ذكورًا وإناثًا إلا المزيد من التشوهات، كما أنه من المؤكد أنه لو جاءته فرصة للتحرش بامرأة أو اغتصابها والإفلات بفعلته فسيفعل، لأنه ببساطة يرى المرأة عموما كائنا أدنى منه، وهو في الواقع يجد في المرأة القوية أو الواثقة أو المتأنقة تحديًا يشعره بالضآلة.
عليش ينجذب للموظفات الأنيقات في الشركات الكبرى، ولأي شابة تخرج للعمل أو للدراسة عموما، السبب الرئيسي في انجذابه لهن أنهن صورة لم يألفها للمرأة، وبالتالي فهو يحاول بأي شكل عبر الوسائل المختلفة أن يتعرف على إحداهن لأنه يرغب في إثبات أنه ليس أقل منهن، وأن حواجز المال أو الثقافة أو التعليم لن تمنعه من السيطرة عليهن، يعترف ببساطة أنه يركب بعض المواصلات خصيصًا بغرض التحرش.
أنه شعور العجز مرة أخرى، أنه استمتاعه بشعور تلك المرأة بالعجز أمامه وسط الزحام أو في الشارع، إنه يستمتع بشعورهن بالعجز لا غير، إنه يتحرش بهن ليستمتع بعجزهن ويشعر بالتفوق.
قد يخطر في بالك أن تصنف علاقة عليش ومسعدة بأنها علاقة سادوماسوشية بين رجل وامراة، يستمتع فيها هو بتعذيبها بينما تستمتع هي بكونها تتعذب، هذا وارد بالطبع ولكن الأمور ليست بالضرورة كذلك.
إذا عرفت أن عليش وزوجته لديهم ثلاثة أطفال، وأن زوجته لا تعمل وليس لديها مصدر آخر للدخل فربما ستجد مبررا آخر للإذعان الذي تمارسه تجاهه، إنها باختصار توازن بفطرتها البسيطة بين أن تتأذى هي وحدها وبين أن تتأذي هي وأولادها الثلاثة فتختار الأولى.
يختار عقلها في مرحلة معينة أن يعتبر الأذى سلوكًا يوميًا لكي تعطي نفسها حصانة نفسية من الوجع النفسي المستمر، أستطيع إذن أن أتخيل ماهو أبعد، أنها اصبحت تعتبر العنف ضدها هو مايمنحها القوة والصلابة و تدريجيا تصبح ثقتها في نفسها تنطلق من كونها تتحمل العنف.
مسعدة تخاف أن تتحدث عما يجري لأنها (بتطلع أسرار البيت برة كدة)، ولأنها كما قلنا ليس لديها حلول أخرى، مسعدة تتعايش مع القهر بتحويله إلى اعتياد، مسعدة بالتاكيد ستقهر أطفالها وبالذات الفتيات، حتى ولو لم تقصد، فهي ستعتبر أن قهرهن هو أفضل وسيلة لحمايتهن من الضرر النفسي ولجعلهن يتصرفن بشكل ناضج.
العنف الأسري بالتأكيد لا يقتصر على الضرر الجسدي الضرب أو الاغتصاب أو التقييد، فهناك ضرر نفسي يتمثل في الاحتقار والإهانة والاتهام والمراقبة (مجرد كونك تراقب اتصالات زوجتك وحساباتها الإلكترونية هو درجة عالية من الإيذاء النفسي)، وهناك ضرر مالي ( في الاستيلاء علي أموالها، أو منعها من الحصول على احتياجاتها المالية) إلخ
مسعدة نموذج لشخص مريض بالقهر، عليش نموذج لشخص مريض بالتسلط، عليش ومسعدة ينتشران في المجتمع كلما انتشرت الأفكار الرجعية والمتخلفة، وكلما اختفت المرأة أكثر من المجال العام، وكلما استسلمنا للعادات والتقاليد، فهم ينشرون قيمًا تحطم المجتمع وأجياله الجديدة وتحوله إلى مسخ.التوعية الثقافية المواجهة لهذا مهمة، ولكن الردع القانوني أكثر أهمية احيانا .
نحتاج إلي تجريم الاغتصاب الزوجي بالفعل، نحتاج إلى كسر ثقافة استباحة العدوان على المرأة أو على الضعيف، استباحة الضعيف أصل كل الشرور.