التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 09:20 م , بتوقيت القاهرة

عجوز.. تحت الثلاثين

كان يومًا طويلاً من تلك الأيام الطوال العادية الموصولة بعضها البعض، فلم تعد تعلم متى بدأ ولا متى سينتهي، بل هى مجرد نقاط فى يوم طويل لا تدركها إلّا بالنظر إلى جدولٍ بدون معنى يسمى "النتيجة".


لمَحَت أوراق التقويم الموجودة على الطاولة الجانبية، ثم أمسكت بهاتفها المحمول كي تتأكد من التاريخ، ثم ارتكزت على مرفقها لتتمدد وتنزع بضع ورقات من ذلك التقويم ليستقر عند يوم الواحد والثلاثين من مارس عام 2015، وبهدوء رجعت إلى مكانها وهي تنظر إلى طفليها النائمين الآن بعد محاولات أكثر من ثلاث ساعات.


مغص، دواء، محاولات إطعام فاشلة، لعب، كثير من الصراخ، بامبرز، بامبرز مرة أخرى، الكثير من البامبرز، ضحك، جمل بسيطة على "الفيس بوك"، بضع اتصالات هاتفية، مسلسل تليفزيوني محشو بالكثير من صراخ الأطفال، محاولات تنويم باللعب، محاولات تنويم بالأكل، محاولات تنويم بالاستحمام بماء دافئ، ثم محاولات تنويم مغناطيسي وكلهم ينتهون بالفشل.


وأخيرا ناما.. وبقي أمامها ساعتان حتى يأتي زوجها من عمله المؤقت الذي اضطر له فى ظل ظروف البلد و"وقف الحال" المستمر. وأربع ساعات حتى تبدأ طفلتها الصغيرة بالصراخ طالبةً للطعام، وسبع ساعات حتى يتنفَّس الصبح فتبدأ بإعداد الإفطار لزوجها قبل ذهابه للعمل.


- أنا بانهار


- مالك يا بنتى؟!


- مخنوقة! ومتقولِّيش من إيه! مخنوقة من كل حاجة.. مخنوقة من عيشتي ومن العيال ومن نفسى ومن جوزي ومن أصحابي ومن قعدتي في البيت، ومن الحال اللي دايما مش ميسور، ومن الفراغ والملل وفي نفس الوقت زحمة اليوم وبرضه الملل.. أنا مخنوقة أوي.. أنا بجد مش قادرة.


- طيب أنا أقدر أعملك إيه؟!


- شوفلى حل.. أنت مش عامل نفسك بتفهم فى العلاقات.. أنا عاوزة حل


- طيب اقفلي التليفون. هفكر.. وابعتلك.


- سلام.


وكان هذا المقال
عزيزتى "المخنوقة" 
متأكد أن كل ما ذكرتيه أعلاه هو جزء بسيط مما تشعرين به، ومن معاناتك اليومية بل وأزيدك.. في ظل هذه السلسلة من الأيام الطوال أصبحتِ لا تشعرين بأي سعادة، أصبح كل من يتصل بكِ يبدأ حديثه بسؤاله ماذا بكِ؟


أصبحت نبرة صوتك حزينة. وحيدة في كل ما أنت فيه، حتى عندما يحاول زوجك مساعدتك في أيام عطلته، تشفقين عليه من كدِّ كل يوم، وتأبين. تنزعجين عندما ينفعل، لكنك تقولين لنفسك أن يجب أن تقدري ظروفه وضغط عمله.


لم تَعُودي تتذكرين لون ضياء الشمس، حتى حينما تخرجين لا تلاحظين أنك بالنهار. أصبحتِ مرهقة دائما، تعانين كثيرا من المشاكل الصحية غير معلومة الأسباب، آلام في بطنك أو ظهرك لا تكادين تحسيها إلا أثناء دقائق النوم، لكنها دوما معك. عندما تنظرين بالمرآة تدركين كم كبرتِ!.. لا.. بل أكثر.. أصبحت عجوزا .. عجوز تحت الثلاثين.


أهذا وصف قريب من حالك؟!


لا يضر إن كنتُ قد بالغت قليلاً، أو ربما.. قصّرتُ قليلاً ما تعانين منه سيدتي هو الاكتئاب الذي نقاومه جميعا ونحاول ألا نقع في براثنه. وأنا هنا لا أتحدث عن ذلك الاكتئاب الذي يحتاج عناية طبية، بل الذي يحتاج عناية نفسية.


نعم، أنت بحاجة إلى عناية نفسية لكن.. ممن؟ من المنوط برعايتك الآن؟


ما أراه أنك تنتظرين طفلا كي أن يكبرا فتقل معاناتك اليومية فتسعدي، أو أن يجد زوجك عمل أفضل فيتيسر حاله فتسعدي، أو أن يأتِ إليكِ التغيير من السماء. لكني في وسط يومك الطويل لا أراكِ موجودة!


نعم، أين أنت فى ظل يومك؟


لماذا تزوجتِ؟ كي ترزقي بأطفال، ثم ماذا؟ ثم تظلي تعانين حتى تنزل دمعتك فرحةً يوم زواج أحدهما؟ ثم ماذا؟ ثم ملل دائم وموت صامت؟


لا يا سيدتي.. أنت من تحتاجين أن تعتني بنفسك. لن ينظر أحدهم إليك ما لم تنظري لنفسك. إلا إن كان جل ما تتمنيه هو عين الشفقة و"طبطبةٍ" لا تسمن ولا تغني من جوع.


كم هو فقير من ينتظر سعادته من آخرٍ.


عليك أولاً أن تجاوبي نفسك، ماذا قدمت لها كى تكون سعيدة؟ أين كنتِ في ترتيب أولوياتك؟ سأقول لكِ سرًّا، إن لم تكوني الأولى على سلم أولوياتك فأنت مخطئة.


ماذا اكتسبتِ من مهارات؟


لماذا لا تعملين؟ هل هو اختيارك أم حكم الظروف أم حكم "القوي"؟ ولماذا لا تحاولين فعل أي شيء ولو من المنزل؟


لماذا لا تمارسين أية هوايات؟! 


أتعلمين كم تثيرين غضبي؟!


ستظلين على هذا الحال ثم يتملككِ قدر لا يستهان به من الإحساس بالدونية عن الآخرين، ثم تبدأين فى الشك في زوجك لأنك لا تثقين في نفسك، ثم تدخلين في حلقة غير منتهية من الإحساس بالذنب والشفقة في آن واحد، ثم لا أعلم إن كنت سأعرفك إن رأيتكِ وقتها!


سيقولون لكِ ما بداخلك هذا هو وسوسة شيطان،  فاستعيذي بالله وأقول: لا، بل هي صرخة نفس حبيسة، فاستعيني بالله. وإن أردتِ معونته فأعيني نفسك.


جلُ ما يحبطني أنك لن تقرأى مقالى هذا..  فالأغلب أنك لا تقرأين. فأنت أكيد دومًا مشغولة، بلا شيء أنت مشغولة
فمقالي هذا لمن حولك ويعلمونك ويحبونك، علَّهم ينقذونك.


اسمعى لنفسك واعرفي ماذا كان ليسعدها إن كنتِ بدون زوجكِ أو أطفالكِ، ثم تحدثي مع زوجك وتفاهما.. اجعلي لنفسك وقتك الخاص، صداقاتك الخاصة، هواياتك، قراءاتك، عالمك، واتفقي معه على ضرورة احترام ذلك ومساعدتك كى تكوني سعيدة.. افعلى ذلك قبل أن تتبدل ملامح وجهك وتصيرين حقًا عجوزا.. وأنتِ تحت الثلاثين.