"حذاء" فان جوخ تثير الجدل بين المفكرين
سجال فلسفي حول حذاء قديم، ليس في الحقيقة حذاء بالمعنى المقصود، إنها لوحة شهيرة رسمها الفنان الهولندي فينسنت فان جوخ، تحمل اسم "الحذاء".
ففي أحد الأيّام، زار فان جوخ أحد الأسواق الشعبيّة في باريس. وهناك رأى زوجا من الأحذية الخشبية البالية. وقرّر أن يشتريه وأحضره معه إلى مرسمه في حيّ "مونمارتر".
ليس من الواضح لماذا اشترى الحذاء، لكن يمكن أن يكون السبب ببساطة، أنه كان بحاجة إلى زوج جديد من الأحذية.
أشهر حذاء في التاريخ
بعد فترة قصيرة قام برسمه، وسرعان ما أصبح الزوج أشهر حذاء في تاريخ الفنّ الحديث، بالنظر إلى الدور الكبير الذي لعبته هذه اللوحة في الفلسفة الحديثة، وعلاقتها بعالم الأفكار.
فالحذاء قد يكون أحيانا مجرّد حذاء، لكنه في بعض الحالات يمكن أن يتضمّن الكثير من المعاني والرموز.
لم يكن فان جوخ يتوقّع أن تثير فردتا حذاء رسمهما في باريس عام 1886م نقاشا فلسفيا ساخنا. وحتّى يومنا، ما يزال الفلاسفة ومؤرّخو الفنّ ينظرون إلى هذه اللوحة، ويثيرون من خلالها أسئلة تتمحور حول وظيفة الفنّ وطبيعة الأشياء.
لماذا الحذاء؟
بدأ كلّ هذا الجدل عام 1936، عندما رأى الفيلسوف الألماني "مارتن هايدجر" اللوحة في معرض بأمستردام. وفيما بعد، تحدّث عنها في مقال حمل عنوان "أصل العمل الفنّي".
وخلال السنوات التالية، كتب علماء ومفكّرون مثل ماير شابيرو وجاك ديريدا وإيان شو وستيفن ميلفيل، وجهات نظرهم حول حذاء فان جوخ.
عام 1886، انتقل فان جوخ إلى العاصمة الفرنسية باريس، وكان عمره 33 عاما، ويتمنّى أن يصبح جزءا من مشهد الفنّ الطليعي هناك، فرسم هذه اللوحة في مرسمه، وفيها يصوّر زوجا من الأحذية القديمة الرثّة.
عندما رأى زملاؤه اللوحة، كان ردّ فعلهم غريبا، بعضهم رأى فيها شيئا عبثيا، بينما تساءل آخرون عن السبب الذي دفع فان جوخ لرسم هذا "الموضوع الساذج"؟، وما إذا كانت لوحة مثل تلك تصلح لتزيين جدران غرفة الطعام مثلا؟.
وظيفة العمل الفني
الفكرة التي طرحها مارتن هايدجر في حديثه عن اللوحة، ترتكز على حقيقة "أننا نستخدم الأشياء في حياتنا اليومية، ونستطيع أن نعرف الغرض من استخدامها، لكنّ جوهرها يظلّ مخفيّا أو مغيّبا عنّا، وهذا الجوهر هو ما يكشف عنه الفنّ"، لذا فإن وظيفة العمل الفنّي ـ من وجهة نظره ـ الكشف عن الجوهر الحقيقي للأشياء.
وعندما نظر هايدجر إلى حذاء فان جوخ، توصّل إلى استنتاج مؤدّاه أنه يخصّ امرأة فلاحة.
لكن كلام هايدجر ووجه بمعارضة من المؤرّخ الأمريكي ماير شابيرو، الذي أكّد على أنه يستحيل فهم معنى ودلالة اللوحة، ما لم نعرف أوّلا، نوايا فان جوخ من وراء رسمه لها.
الحذاء لمن؟
شابيرو، الذي غرق عميقا في مراسلات فان جوخ وأشيائه الخاصّة وكتابات أصدقائه، قال "إن العيب في تفسير هايدجر يكمن في أنه أسقط مفهومه عن البدائية والترابية على اللوحة". وأضاف: "المشكلة بدأت عندما افترض هايدجر أن الحذاء يخصّ امرأة ريفية، وهو استنتاج خاطيء، فالحذاء يخصّ الفنّان نفسه، ورسمه عندما كان يقطن المدينة".
كما رجّح افتراض أن ما اجتذب فان جوخ للموضوع، هو الطبيعة الشخصية للحذاء، والشكل الخاصّ الذي اكتسبه بسبب لباسه أو استخدامه، في إشارة إلى آثار البلى والتجاعيد الظاهرة على الزوج.
أما بالنسبة لفان جوخ، الذي كان يمشي حافي القدمين معظم حياته، كان للحذاء معنى خاصّ؛ فهو يرمز لفكرة الحياة باعتبارها رحلة روحية. وطبقا لـ"شابيرو"، فإن فان جوخ عندما رسم الحذاء، كان يرسم بورتريها رمزيا لنفسه، كما أن التوقيع الظاهر أعلى يسار اللوحة، والمكتوب بأحرف حمراء، يرجّح احتمال أنه عنوان اللوحة الأصلي.
"زوج من الأحذية"، هي واحدة من عدّة لوحات رسمها فان جوخ في فترات مختلفة من حياته، وقد رسم الأحذية وأضفى عليها "شخصيّة"، وأولاها اهتماما لا يقلّ عن اهتمامه بلوحاته الأخرى، عن الأشخاص والطبيعة.