أنا من جيل سامية الإتربي.. أرستقراطية بالجلابية
من منا لم يتذكر سامية الإتربي؟ مذيعة "حكاوي القهاوي وكاني وماني والسندباد البحري"؟ تلك الإعلامية صاحبة الجلاليب الشعبية الملونة التي جعلت الكثير يشعرون بأنها واحدة من أهل قرى وصعيد مصر.
كان المشاهدون وقتها يعتقدون أن الإتربى ترتدي الجلاليب الشعبية في برنامج "حكاوي القهاوي" لكى تتناسب مع الجو العام للبرنامج، بينما الحقيقة أنها كانت لديها شغف بتجميع هذا النوع من الأزياء التراثية، وكانت تنفق كل نقودها من الإذاعة على شراء جلاليب وعبايات من الصعيد وسيوة وسينا، أو على السفر لبلد عربي لشراء شال من الجزائر، أو قبقاب من تونس، لتظهر بها على شاشة التلفزيون.
وعلى الرغم من إن لبس مذيعات التلفزيون المصري كان يقتصر على البلوزة والجيبة، إلا أن الإتربى كانت ترتدي الجلاليب في حياتها العملية والعادية أيضا، بل كانت تحضر بها مناسبات اجتماعية مهمة، وكان الكثيرون ينتقدوها كونها من عائلة أرستقراطية وترتدي تلك الملابس الشعبية البسيطة لدرجة أن ابنتها رشا، الطالبة بالمدرسة الألمانية، كانت تشعر بالحرج من لبس أمها العجيب، وكانت تقول لها، "إنتِ هتخرجي معانا بالجلابية والقبقاب؟" وكانت ترد سامية عليها بثقة، "أنا سامية هانم الإتربي بالجلابية، وهي نفسها سامية هانم بالبيجامة، وهي نفسها سامية هانم بالسواريه، والمهم أن الإنسان يتمسك بالحاجة إللى بيحبها وبيعملها حتى لو كانت في اللبس إللي بيلبسه، ومش مهم كلام الناس".
ظلت سامية الإتربى تمارس حياتها بنفس الأسلوب في تجميع الجلاليب والعبايات وتسافر إلى قرى ونجوع مصر لتصوير حلقات برنامج حكاوي القهاوي، والتي تخلت فيه تماما عن أرستقراطيتها، وتقربت فيه بشكل ملحوظ إلى الطبقة الشعبية البسيطة التي تحكي تاريخ تراث مصر بشكل مبسط وعفوي، وقد أنشأت مع البسطاء علاقات وطيدة فكان يأتيها حرفيون من ربوع مصر حاملين التمر والمشغولات الفضية خصيصا لها، وكانت تستضيفهم في بيتها بحي الزمالك.
أصيبت سامية الإتربي بمرض السرطان في السادسة والأربعين من عمرها، وتعايشت مع المرض لمدة 18 عاما. وعندما كان يطّلع الأطباء على تاريخها المرضي يندهشوا أنها ظلت صامدة كل تلك السنوات مع المرض وكان ردها على أي طبيب، "إنت هتقر عليا ولا إيه؟" وتخمّس بيدها فى وجهه وتأخذ الأمور بصدر رحب.
صراع سامية الإتربى مع المرض لم يكن صراعا بل كان تعايشا حقيقيا معه، ويُذكر أنه أثناء تلقيها العلاج الكيميائي لم تسقط شعرة واحدة من رأسها.. وفي فترة علاجها في باريس بعد جلسة العلاج الكيميائي، كان ملزما على المريض أن يرتدِ قرية ثلج على الرأس حتى تمنع مرور العلاج بسرعة معينة في المخ، ورغم ذلك، كانت تضع الحناء على شعرها، وبحسب كلام ابنتها رشا، "أمي كانت بتحط لبخة حنة على رأسها وفوقيها قربة تلج وكان بيبقى شكلها يهلك من الضحك وأنا أقولها إيه يا ماما إللى إنتِ عاملاه فى نفسك ده؟ وترد عليا بابتسامة وتقول: مالكيش دعوة إنتِ وتمسك سامية رأسها وتقول يا كيمو كوني بردا وسلاما على رأس سامية" (تقصد بالكيمو العلاج الكيميائي).
أحبت الإتربي عملها الذى ترك في جيل الثمانينات والتسعينات أثرا كبيرا، وخاصة البسطاء الذين كانوا فى مقدمة المشيعين لجنازتها، ورغم مرضها وصلت لمنصب رئيس البرامج الثقافية في التلفزيون المصري، إلى جانب تقديم برامجها، "كاني وماني والسندباد البحري"، وقبل وفاتها بشهر ونصف دخلت فى غيبوبة وتوفيت فى 12 يناير عام 2007.
كانت تحب ماتعمل في صمت ولاتشغل بالها بكلام الآخرين حتى وإن كانوا أقرب الناس إليها، وكانت تقول،"الناس بتورث لأولادها شقق وأراضي لكن أنا هورث لأولادي شوية جلاليب وشوية كرادين بس أنا مبسوطة".