التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 05:54 م , بتوقيت القاهرة

الحلم الأمريكي رمادي أكثر في A Most Violent Year

"عندما تشعر بالرعب من القفز، فهذا تحديدا هو الوقت الضروري للقفز. وإلا ستبقى طوال حياتك في نفس مكانك، وهو ما لا أطيق أبدا أن أفعله". 


بهذه العبارة يبرر بطل الفيلم إبيل مورلز أوسكار إيزاك قراره الجريء بخصوص استثمار لشركاه خلال سهرة. وإلى حد ما تلخص العبارة أيضا منهج مخرج الفيلم الشاب جى. سى. شاندور في اختياراته.


شاندور يقدم هنا في فيلمه الثالث الجيد على التوالي، عملا مختلفا إلى حد كبير عما سبقه. في فيلمه الأول 2011 Margin Call  اختار الساعات الأولى للأزمة الاقتصادية الشهيرة عام 2008  وتأثيرها المرعب على مديري البنوك والشركات، الذين رأوا عالمهم قيد الانهيار خلال لحظات. في فيلمه الثاني All Is Lost 2013  اختار ثريا وحيدا في عطلة وسط البحر، يحاول النجاة بحياته بعد تعرض يخته الفاخر للغرق.



هنا في العام الأكثر عنفًا A Most Violent Year، يواصل خط (كل ما بنيته ينهار)، بقصة عن رجل أعمال عصامي، شق طريقه من الصفر كسائق شاحنة، إلى أن أسس شركة وقود تدفئة في نيويورك. وبدأ استثمارا جديدا مهما عام 1981 بشراء ميناء ضخم، للتوسع في الشحن والتخزين. الصفقة التي يجب أن يتمها خلال 30 يوما وإلا ضاعت ثروته، تصبح مهددة بالانهيار بعد انسحاب الممولين، عقب مطاردة النيابة له باتهامات تتعلق بالتزوير والفساد المالي. وأزمته تزداد مع تعرُض شاحناته ووقوده لجرائم سرقة منظمة، أثناء أسوأ سنوات نيويورك من حيث معدلات الجريمة.


آبيل الذي بذل جهدا فائقا طوال حياته للهروب من التحول لرجل عصابات، كما يوضح في أحد العبارات، يجد نفسه فجأة في مأزق يستلزم بعض التنازلات. أوسكار إيزاك يقدم الدور بامتياز، وغالبا ستلمح تأثره الواضح بـ آل باتشينو في أفلام الأب الروحي، خصوصا في استخدام لغة الجسد واليدين. من المرجح أن يشهد ديسمبر  2015  نقطة انطلاقته المستحقة أخيرا كنجم، مع عرض أحدث أفلام سلسلة حرب النجوم Star Wars: Episode VII - The Force Awakens.


لا يوفر السيناريو لزوجته آنا جيسيكا تشاستين نفس المساحة الزمنية، لكنه يعوض هذا الفارق الزمني، بمشاهد وحوارات أكثر حدة وقوة. آنا على العكس من زوجها الذي يحاول تجنب المواجهات العنيفة، لا تمانع إعلان الحرب كأي ابنة أصيلة لرجل عصابات. جيسيكا تثبت في الدور أنها حرباء حقيقية. ويمكنك باستمرار أن تلمح تحت إطار القطة الجميلة التي تتحرك طوال الأحداث بأطقم آرماني الأنيقة، مخالب قطة شرسة مستعدة للنهش لحماية أسرتها.



بصمة أفلام المخرج الراحل سيدني لوميت موجودة بوضوح على الفيلم. وتماما مثلما وظف لوميت قصص الجريمة والعصابات، كصورة مصغرة وأداة نقد وتحليل لتغيرات وطباع المجتمع ككل، تبدو القصة هنا كقصة أي حلم أمريكي آخر في أفلام لوميت. التنازلات التي يجب أن تفعلها لتقنع نفسك أنك لا تقبل التنازلات نهائيا، والخطوات التي تخطوها دون رجعة. يحضرني هنا بالأخص فيلم  Prince of the City  الذي صنعه لوميت عام 1981 (نفس عام أحداث فيلمنا هنا).


شاندور لديه حس واضح بالمكان، وهو ما اتضح سابقا بقوة في All Is Lost. نيويورك هنا شخص آخر حاضر مع الأبطال، خاصة مع اللقطات الواسعة الثرية الممتازة لمدير التصوير برادفورد يانج. ورغم تواضع ميزانية الفيلم، نجح فريق إدارة الإنتاج والملابس والديكورات، في إعادة نيويورك 1981 إلى الشاشة.


الفيلم ككل لا تدور أحداثه فقط أوائل الثمانينات، لكن يبدو تقنيا كما لو كان فيلما ينتمي إلى عصر قديم بالفعل. والعبارة هنا إشادة، لأن هذه النقطة تخلق إحساسا أعلى بالرونق الزمني. مشهد مطاردة السيارات مثلا، يبدو أقرب لفيلم المخرج ويليام فريدكن  The French Connection 1971  منه إلى مطاردات أفلام هوليوود الحديثة. النموذج الأخير الشهير المماثل في هذه النقطة كان في Argo الذي أخرجه بن أفليك ليبدو كفيلم مصنوع بالفعل أوائل الثمانينات.



رغم هذا وعلى عكس ما يوحي العنوان وجو الفيلم العام كعمل متعلق بالجريمة، تدور أحداثه عن شخص مضغوط بجدول زمني مدته شهر، لا يتمتع الفيلم بمشاهد عنف أو إثارة بالقدر المتوقع، أو إيقاع سريع صاخب. شاندور مشغول أكثر ببناء شخصيات ذات مصداقية، وهي نقطة قد تحسب له نقديا. لكن جماهيريا لا يزال في فيلمه الثالث دون نجاح تجاري حقيقي، وهي نقطة أتمنى أن يحققها سريعا.


ربما مثل بطل الفيلم آبيل، حان وقت شاندور لممارسة بعض التجاوزات والألاعيب الغير عادلة!.. وعليه في الفيلم الرابع القادم أن يحافظ على رونقه السينمائي، ويقفز به الى إطار أكثر جماهيرية دون خوف، عملا بنصيحة بطله في نص السيناريو الذي كتبه شاندور بنفسه:


"عندما تشعر بالرعب من القفز، فهذا تحديدا هو الوقت الضروري للقفز. وإلا ستبقى طوال حياتك في نفس مكانك، وهو ما لا أطيق أبدا أن أفعله".



باختصار:
عمل أنيق ومحكم يُذكرنا بكلاسيكيات جريمة عديدة في السبعينات، من مخرج يجيد بناء شخصياته، ويطرح العنف ضمنيا تحت الجلد رغم الصراحة في العنوان. مع أداء ممتاز لنجمين يستحقان مكانة أكبر في هوليوود. 


لمتابعة الكاتب