التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 08:28 م , بتوقيت القاهرة

حسن فتحي.. المعماري الذي تدرس 44 جامعة دولية أعماله

من البداية وضع الفنان حسن فتحي أمام عينيه فلسفة معمارية خاصة، تمزج بين المعاصرة والأصالة، بين أحلام الفقراء وتحديات المستقبل، ولد حسن فتحي في الإسكندرية (23 مارس 1900)، وانتقل مع أسرته إلى القاهرة ليعيش هناك ويبدأ حياة جديدة.


سكن مع أسرته في حي الجمالية العتيق، ذلك الحي الذي حمل في مشربياته وبيوت القديمة مخطوطات وحياة أديب نوبل الراحل نجيب محفوظ، تخرج حسن فتحي في مدرسة (المهندسخانة) بجامعة الملك فؤاد الأول عام 1925، وعندما بدأت كلية الفنون الجملية وفتحت أبوابها عام 1930 أصبح حسن فتحي أول عضو يعين بها، ثم أوفدته الكلية في بعثة إلى باريس من أجل رسالة الدكتواره.


فلسفة القباب



كانت بيوت حسن فتحي حالة من الجمال والفلسفة معًا، بيوت من الطين والحجارة لها قباب تشبه الطراز الإسلامي في العمارة، لكن وفقًا لتصوره الخاص عن الشكل والأصالة، بالرغم من أن تلك البيوت كان يغلب عليها الكلاسيكية والميل إلى الموروثات الشعبية، إلا إنها كانت حداثية على مستوى الشكل والمضمون، فتلك القياسات الهندسية لا تخلو من جماليات الشكل والروح معًا، فكانت تلك البيوت والقباب جسرًا يربط عالمين ببعصهما البعض، كان يؤمن دائمًا أن الجمال وروحه يتجاوزان التكاليف الاقتصادية.


وربما جاءت تلك الفلسفة من تصميم جامع (فاروق) بالقرنة الجديدة، وتشكل الحوائط الضخمة والشكل المثلث والقبة الشهيرة فوق مساحة المسجد المخصصة للصلاة علامات مميزة للمسجد النوبي بشكل عام، كانت تلك القبة المصصمة للمسجد تعبر عن رموز روحية لها معانٍ ودلالات عدة في العمارة الإسلامية، فقد رأى حسن فتحي أن تلك القبة في العمارة الإسلامية إنما ترمز إلى معنى مختلف عما ترمز إليه في العمارة البيزنطية، وذلك تبعا لكل عقيدة.


يرى فتحي أن الشكل النصف كروي للقبة يرمز إلى القبو السماوي المحيط بالأرض، كما كان لديه تصورًا خاصًا بشأن استخدام الكتل الخرسانية والزجاج كمواد للبناء، حيث أدى الإفراط في استخدامها إلى وجود مشكلة وأزمة اقتصادية كبيرة.


على الرغم من أن المنتقدين لفلسفة حسن فتحي المعمارية كانوا يرون فيها حالة أشبه ببيوت القرى المصرية القديمة، والتي عادة ما تُصاب بالعطن والظلام، إلا أن بحوثه كانت تؤكد دائمًا على صلاحية وجودة تلك المواد أكثر من غيرها.


يقول حسن فتحي عن فلسفته في بناء القباب "حينما انتقل العرب لمرحلة الاستقرار، بادروا بإسقاط فلسفتهم في استعارات معمارية، تعكس رؤيتهم للكون، وهكذا ظهرت السماء كقبة تدعمها أربعة أعمدة، هذا المفهوم الذي يعطي قيمة رمزية للبيت كتصغير للكون"، وأثبت فتحي من خلال تصميماته أن الطوب الأخضر يتحمل الضغوط الواقعة عليه، وبذلك أخضع التكنولوجيا لاقتصاديات الأهالي الفقراء، بحيث تسمح بإنشاء هذه الأسقف المقببة دون صلبات أو عبوات خشبية، نظرة أشبه بالصوفية إلى العمارة وتجردها من زخرفات الحياة الزائدة.


مراحل إبداعيه



تنقسم عبقرية حسن فتحي الهندسية إلى 5 مراحل، تبدأ المرحلة الأولى في العام 1926، بعد تخرجه مباشرة، وفيها كان يتبع الطرز العالمية في البناء، والمرحلة الثانية بدأت في عام 1937 واتجه فيها إلى اكتشاف وإحياء العمارة المحلية، وأبرز مشاريعها قرية "القرنة"، حيث بناها تبعًا لطريقته في بناء بيوت الفلاحين، وأثبت على نطاق واسع وواقعي، أن بناء القرى بالطوب اللبن تقل تكاليفه عن البناء بأي مادة صناعية أخرى، فضلا عن تناسب هذا البناء مع البيئة المحيطة.


كما تبدأ المرحلة الثالثة في عام 1957 وهي فترة عمله في اليونان، وفيها قام بالعديد من المشاريع، وشارك في مشروع مدينة المستقبل، أما المرحلة الرابعة 1963، فتعد أكثر المراحل إنتاجية وإبداعا، وأشهر مشاريعها قرية "باريس" في مصر ، وتعد المرحلة الخامسة هي أقل المراحل إنتاجا؛ لتقدم عمر عبقرية الهندسة وبدأ هذه المرحلة في عام 1980 وانتهت بوفاته عام 1989، وأهم مشاريعها هي قرية "دار الإسلام" والتي نقلت حسن فتحي إلى بؤرة الأضواء عالميا، وأنجز جانبا من مشروعه في "نيومكسيكو" بالولايات المتحدة الأمريكية لحساب "منظمة دار الإسلام" وقد نفذ من تصميماته لهذه القرية: المسجد، والمدرسة، وبيت الطلبة، جمع فيها بين طابع المباني الإسلامية في المنطقة العربية، والأسلوب الريفي في الأسقف القبابية، وحقق هذا المشروع أكبر الأثر في حسن استقبال نظرياته المعمارية، وتوالى بعد ذلك التقدير العالمي لفنه، والاحتفال بأسلوبه والاعتراف به كأحسن المعماريين، قبل وفاته بـ5 سنوات فقط.


جوائز وتكريمات



حصل في العام 1984 على الميدالية الذهبية الأولى، من الاتحاد الدولي للمعماريين عن تصميمه "قبة الاتحاد الدولي، ويضم هذا الاتحاد 9 آلاف معماري يمثلون 98 دولة، وأعلن وقتها أن نظرياته الإنشائية ومفاهيمه المعمارية يتم تدريسها للطلاب في 44 جامعة بالولايات المتحدة وكندا وجامعات أخرى في دول شمال أوروبا، أما في العام 1987 فحصل على جائزة "لويس سوليفان" للعمارة (ميدالية ذهبية) من الاتحاد الدولي للبناء والحرف التقليدية.