في حضرة الخط العربي وفنونه
في حضرة الخط العربي وحروفه وإبداعاته وفنونه وفنانيه المبدعين الذين نقشوا لوحات بمفردات الخط العربي وحروفه وتشكيلاته، كل منهم يرى الحروف بطريقته الخاصة ومدرسته الفنية، ولكنّهم جميعًا اتفقوا في إنتاج أعمال فنية نابضة بالحياة مليئة بالأسرار والحكايات الساحرة.
فنرى في لوحات الخط العربي حروفا تتمايل وتتنقل داخل إطار اللوحة، حروف تسرد قصصًا وحكايات وتاريخ وحضارات، حروف متوهجة بالحيوية تعانق السماء وترقص كالرياح، ذلك الفن الأصيل القائم على "اللعب" بالحروف وعمل تشكيلات مختلفة منه، واستغلال طاقته لإنتاج لوحات فنية بارعة الجمال عميقة المعاني.
فكما يقول الصوفيون وعلماء الكلام: "إن للحرف طاقة، ولكل حرف مراتب ومقامات يمكن استغلالها وعمل إبداعات لا حصر لها منه". وكما قال بيكاسو رائد الرسم الحديث: "إن أقصى ما وصلت إليه في فن الرسم وجدت الخط العربي قد سبقني إليه منذ أمد بعيد".
فالخط العربي هو فن أصيل من فنوننا المتعددة، صحب الحضارة العربية ومضى مع تطورها وقام بأدوار عدة، فهو وسيلة للتفاهم ونقل الأفكار والمعاني، وأيضًا نجد أن فن الخط العربي أثرى كافة أنواع الفنون وجمالياتها، فنجد الخط العربي وفنونه تدخل وتتغلغل في تراثنا، نجد الوثائق المكتوبة بأنواع الخطوط المختلفة.
نجد ورق المصحف مكتوب بالخط الكوفي بحروفه الدقيقة الهندسية الشكل، نجد محرابا من الخشب منقوشا به جمل وآيات بطريقة الحفر، نجد الأبواب الخشبية الضخمة مزينة بأجمل الخطوط التي تكون كتابات بديعة، الأسقف الخشبية والحروف المحفورة بها، الحجر والرخام والجص، فنجد أن زخارفهم تقوم أساسًا على فكرة تكرار الزخارف والحروف بشكل متقن وفريد لكافة العناصر الفنية المستخدمة في النقش بهم، الزجاج "الكؤوس، الأوانى، القناني، الأكواب، القماقم، المحابر .... ألخ".
فشكلت الزخارف الفنية والحروف المرسومة على الأسطح الزجاجية لوحات بارعة الدقة، المشكاوات المضيئة ليلاً ومنبعث منها ظلال الحروف الملونة التي تبعث الدفء في الروح، الخزف وألوانه التي لا حصر لها ومن نماذجه الصحون والبلاطات والأواني والأباريق والمشكاوات.. ألخ.
الأواني النحاسية والنقوشات بداخلها تسرد قصصًا وحكايات وتراث من سبقونا، الكتابات المزركشة على أسطح المنسوجات، ونجد أن المتحف الإسلامي والمتحف القبطي أكثر نموذجين يمثلان هذا النوع من الفن فنجد بهما المنسوجات المنقوشه بالخطوط الرائعة وشهرتهما تملأ الآفاق، فكان الفنان يراعي بدقة طراز كل مبنى ومفردات عناصره وكيف له أن يختار المكان الذي يصنع به لوحاته الفنية القيمة؟
عرف كيف يختار أنماط كتاباته وأبعاد حروفها، وأتقن اختيار الزخارف المصاحبة لكتاباته، دقق في التفاصيل والنسب والألوان، وهنا يتضح لنا الدور الكبير الذي لعبته الحروف العربية في إثراء العمارة الإسلامية، جمال يحاكي أصالتها وجمالها.
فنون الخط العربي والزخارف العربية من أهم الفنون الجميلة التي تميّزت بها البلاد العربية الإسلامية، وقد فتنت رواد الشرق من جميع أنحاء العالم قديمًا وحديثًا، فراحوا ينوهون بما بهرهم من تلك الروائع في كتابات المساجد والمصاحف وزخرفتها، والخط العربي هو جزء مهم من التراث الحي للأمة العربية، ويرتبط بلغتنا وتطورنا الثقافي، ويرجع إليه الفضل في تماسك العرب ووحدتهم وحفظ تراثهم.
فالخط العربى جزء لا يتجزأ من التراث العربي، فعن طريقه تم تسجيل هذا التراث وتم حفظه من الضياع والاندثار وظل باقيًا تتوارثه الأجيال، بفضل الخط العربي عرف العالم ما شارك به الفكر العربي في بناء الحضارة الإنسانية، وتميز الخط العربي على غيره من الخطوط الأخرى، بأنه لم يحكمه ويسيطر عليه الجمود، بل تطور وتعددت أنواعه وأنماطه وفنونه؛ مما كان له بالغ الأثر في إثراء الأعمال الفنية القائمة على مفردات الخط العربي، فكل فنان يستخدم الحروف في عمله الفني يكون له بصمة مختلفة عن أعمال غيره، وكأنّ الحروف تتكلم وتتلون وتتشكل وفقًا لما يريده كل فنان.. وكأنّ الحروف بها روح تتمايل وتتراقص وفقًا لكل فنان وأسلوبه!
ولمحبي فنون الخط العربي؛ تُقام حاليًا فعاليات "ملتقى القاهرة الدولى الأول لفن الخط العربي"، والذي يقام برعاية قطاع صندوق التنمية الثقافيه التابع لوزارة الثقافه المصرية.. بقصر الفنون بدار الأوبرا المصرية في الفترة من 22 مارس وإلى 31 مارس 2015، وفعاليات الملتقى تتضمن إقامة المعرض الدولي بمشاركة 13 دوله عربية وأجنبية، وأيضًا إقامة ورش عمل لفنون الخط العربي وسوق لبيع أدوات الخط العربي المصنعة يدويًا.. يقام الملتقى الأول بالتعاون مع النقابة المصرية للخط العربي وقطاع الفنون التشكيلية وقطاع العلاقات الثقافية الخارجية.
*يمكنكم متابعة أعمال الملتقى على الموقع الرسمى للملتقى