قصص جميلة من أرصفة القاهرة!
على ناصية شارع شهاب بالمهندسين، سيدة فلاحة في ثوب أسود، تبدأ يومها في العاشرة صباحا حتى العاشرة مساء، تبيع الذرة المشوي في موسمه، وفي باقي السنة تبيع "خضار" على قفص صغير، لا تتسول، لا تمد لها يدك بحسنة، أشتري منها ولا تحصل على أكثر من ثمن ما تبيعه، لها ضحكة إذا كان هناك مقياس حقيقي للرضا، فتلك ضحكتها وبساطتها ودعوتها الحلوة لك، تلك سيدة مصرية خالصة، على عمرها الصغير تربي أحفادا، وعندها ثلاثة أبناء، لا تشكو، لا تعرف من الحياة إلا مربعها الذي تعتقد أنه مملكتها، أشتري منها دائما، لكي أتصور على الأقل أنني أساعد سيدة مكافحة لديها كنزٌ لا ينضب من الكرامة يفوق مايملكه حكام دول وأصحاب نفوذ ومليارات.
في الزمالك، امرأة أخرى متوسطة العمر، تعمل في بنزينة، لا تمد يدها لكي تحصل على قروش قليلة إلا إذا أدت دورا في تنظيف سيارتك، هذه السيدة أم لأطفال، وهي تعمل بجد لكي يكبروا بقروشها الحلال، لها وجه صافٍ حتى في أشد حالات الخوف والألم.
في الشيخ زايد، تبيع سيدة الخبز وبعض الخضراوات الطازجة على عربة يد خشب، كالعادة خلفها عائلة تتقدم الصف لكي تنفق عليهم، مرة أخرى بكرامة، من كثرة العشرة أصبحت جزءا من حياة كثير من الناس، يشترون منها ليس بدافع الشفقة، إنما لأنها ست جدعة، بضاعتها حاضرة طازجة وابتسامة رضا لا تغيب.
في مصر الجديدة بالقرب من ميدان المحكمة، تجلس هناك حتى مطلع الفجر، سيدة تبيع الجرائد والمجلات من ثلاثين عاما، لم تفقد صبرها ولا حكمتها، لا نفد رصيدها من الأمل ولا لمت فرشتها ورحلت إلى بيت دافئ، بالحديث معها، سوف تُكلمك عن أحفادها الذين أصبحوا في طولها، عن زبائنها المحترمين الذين يشترون منها الصحف، ويطلبون دعوة حلوة.
في مدخل سيدنا الحسين، أمام الأزهر، سوف تجدها بسهولة تجلس لتبيع "بخور وسبح"، فقط منذ أول مرة زرت فيها المقام وصليت هناك الفجر، هي بنفس ملامحها لم تتغير، تجلس مثل تمثال رخام نادر على بوابة الحياة، تبيع البركة، لا تشكو، لم تشكُ، لا البرد والشمس يمثلان لها مصدر إزعاج، إنها قوية، لا يُرعبها أي شيء حتى المرض، تواجه الحياة بكل تحدٍ.
إن آلاف القصص ملقاة بعفوية نادرة على أرصفة مصر بطولها وعرضها، لا يهتم الإعلام بتلك النماذج، هو مشغول بغيرها، بامرأة منحرفة أو شاذة أو قوادة تبيع شرفها وغيرها، لكن نون النسوة المقاتلات في صبر، الكاميرا لا تحبهم، قصصهن لا تشد ولا تشدو بثرثرة ليلية على صفحات الفيس بوك. بشر طيب.. الطيبون لا يصنعون ضجيجا.
إنني هنا، بدعم من ( دوت مصر )، سنبدأ في رصد لهذه القصص صوتا وصورة، من حق المجتمع أن يرى، وأن يفخر وأن يبتهج أن هناك سيدات ناجحات من طراز مختلف، بشر حقيقي لحم ودم في زوايا حياتنا، يعملن لكي تقوم الحياة، لكي تصبح حياتهن وحياة من حولهن وحياتنا أفضل.
هن مثل محركي العرائس الخشبية، يختفين فى مكان ما، يحركن دهشتنا.. والحياة.