التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 03:57 م , بتوقيت القاهرة

بعد المؤتمر الاقتصادي.. "العمل والعمال" في الفن إلى أين؟

في الوقت الذي كان الفنان المصري أحمد عبد الوارث يعرض مبادرة إمكانية مساعدة الحكومة في إعداد عمل درامي يساعد على عودة الإيمان بقيمة العمل، ودفع الشباب إلى قبول الأعمال المتاحة أمامه حتى يتمكن من تحقيق آماله وطموحاته، اتخذت الدولة خطوات لإعداد وتأهيل الأيدي العاملة، كان آخرها مشروع التدريب من أجل التشغيل، ساعية إلى تغيير ثقافة العامل وصورته في المجتمع التي تغيرت على مر العصور باختلاف طبيعة الحقبة الزمنية.


"دوت مصر" من خلال هذا التقرير يتناول أبرز الأعمال الدرامية والسينمائية التي تناولت العمال بشكل خاص على فترات مختلفة وبمنظور خاص.. 



صورة العامل قبل ثورة يوليو 52


في الثلاثينيات والأربعينيات، كانت صورة العامل الكادح المكافح الذي يعول أسرة ويبحث عن لقمة العيش ويتحمل فى سبيل ذلك المهانة، في تلك الفترة تم إنتاج فيلم "العامل" في عام 1943 والذي لعب بطولته الفنان حسين صدقي وسيناريو محمد عبدالجواد ومن إخراج أحمد كامل مرسى وتناول مشاكل العمال في الوقت الذي لم تكن فيه نقابات حقيقية لهم، وطالب بقوانين وتشريعات ترفع الظلم الواقع عليهم، والإضراب عن العمل حتى تنفيذ المطالب.



تعرض فيلم "العامل لاعتراضات عدة لجرأة الموضوع وطلب منه حذف بعض المشاهد لاعتراض كبير من السفارة البريطانية آن ذاك، التى كان معظم رعاياها مهيمنين على المصانع والشركات وعندما عرض الفيلم فى مدينة الإسكندرية، أضرب عمال أحد المصانع وقاموا بمظاهرة للمطالبة بحقوقهم.


وفي فيلم "الورشة" الذي أنتج عام 1940، واهتم بتسليط الضوء على الظروف الاجتماعية والنفسية للعمال من خلال شخصية "الميكانيكى" صاحب الورشة، وقدم الفيلم استفان روستى وعزيزة أمير، وهو من أول الأفلام التي اهتمت بتقديم شخصية الميكانيكى، وأبرز العلاقة بين الطبقة العاملة والوطنية من خلال تضحية أحد أبطال الفبلم من اجل العمل الوطني والانضمام إلى الجيش.


في مطلع الخمسينيات، كان فيلم "الأسطى حسن"، بطولة فريد شوقي، سيناريو وحوار نجيب محفوظ والسيد بدير، من إخراج صلاح أبوسيف، كان يرصد علاقات الأغنياء بالفقراء والفروق الاجتماعية الموجودة بينهم، حاول نجيب محفوظ وصلاح أبوسيف بيان الفارق الكبير بين صعوبة الحياة فى بولاق ونعومتها في الزمالك رغم أن الفارق بينهما لا يزيد على 500 متر، وركز المخرج على صورة العامل الذي لم يكن له حقوق قبل ثوة يوليو 1952.



صورة العامل والتحول للاشتراكية 

 تناولت السينما المصرية، في نهاية الخمسينيات وفترة الستينيات، بعد تحول الدولة للفكر الاشتراكي، شخصية العامل بشكل آخر، حيث أصبح هو العماد الأساسى للمصانع.

قدم يوسف شاهين فيلم "باب الحديد" الذي كان مختلفا عن الأفلام السائدة فى تلك الفترة، وبرع شاهين بمساعدة عبدالحي أديب في تصوير قطاع من الحياة اليومية للعمال المهمشين الذين يعملون في السكة الحديد والحياة الصعبة التي يعيشونها ويبحثون عن نقابة ترعى مصالحهم، بجانب الخطوط الدرامية الأخرى. 



وفي عام 1963، انتج فيلم "الحقيقة العارية"، من إخراج عاطف أبو سالم والذي ركز بشكل كبير على فكرة الالتفاف حول المشروعات القومية، ونقل تجربة العمل في السد العالى الذي يعد مشروعا نموذجيا لفهم قيمة العمل في صناعة تاريخ الشعوب.



 لكن هذه الفترة تحديدا وحتى منتصف السبعينيات، تناولها الكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة في أعماله الدرامية بشكل مختلف كما حدث مثلا في مسلسل ليالى الحلمية، وناقش مشاكل العمال، لكنه صور هؤلاء على أنهم مثقفون سياسيا بشكل أقرب للنظام الاشتراكي.
 


عصر الانفتاح 


 جاءت فترة نهاية السبعينيات والثمانينيات، والتي تغير فيها شكل العامل بعد مرحلة الانفتاح الاقتصادى، لكن منذ منتصف التسعينيات وحتى الآن، وهناك قضية أساسية يناقشها الفن المصري بمختلف أشكاله وهي قضية الخصخصة التي بسببها تاه العامل وانعدمت حقوقه.


وفي السبعينيات أعاد يوسف شاهين، مرة أخرى اهتمامه بمعاناة العمال، من خلال فيلم "عودة الابن الضال" الذى تدور أحداثه حول الأخ الأوسط "على" الذي ترك عائلته ليحقق أحلامه في القاهرة، ولكنه وقع فريسة في يد الطبقة الجديدة في المجتمع التي ظهرت بعد حرب 1973 ودخول الانفتاح الاقتصادي والتي صدرت للشباب مشاريع وهمية أدخلتهم السجون.



وعندما يخرج يجد الأخ الأكبر "طلبة" الذي ترك العمل في الجيش وتفرغ لإدارة المصنع، قد أخذ في يده موازين السلطة، وأصبح يتحكم في مصائر عمال المصنع الذين يعاملهم كالعبيد، رغم أنهم كانوا أصدقاء له في السابق وهم من بنوا المصنع على أكتافهم لكنهم لا يجدون الحماية من الدولة وعندما أصيب رئيس العمال وهو يؤدي عمله لم يجد نقابة تدافع عنه ولم يعالجه أحد، لدرجة أنه رفض التسول من "طلبة" صاحب المصنع، وقد استطاع صلاح جاهين أن يجسد ثورة العمال ومعاناتهم من خلال كلمات الأغانى التى شدا بها "ماهر العطار وماجدة الرومى " مما كسر حدة العنف السلطوى داخل الفيلم.

وخلال فترة الثمانينيات، قدم المخرج الراحل عاطف سالم مع الفنان أحمد زكى فيلم "النمر الأسود"، والمأخوذ عن قصة حقيقية لأحد العمال المصريين الذين عملوا في مجال الخراطة، وضاقت بهم سبل العيش في مصر نظرا لقسوة المجتمع عليهم والذي لم يوفر له حقه في التعليم وهو أقل حقوقه، فحمل أحلامه البسيطة وسافر على ظهر مركب إلى ألمانيا.



هذا الفيلم، أنصف بشكل كبير قطاعا من العمال المصريين الذين إن توافر لهم المناخ المناسب.


عام 2000 تم إنتاج  فيلم "بلية ودماغه العالية" والذي يعد من أشهر الأفلام التي أظهرت صورة العامل الفني بشكل إيجابى، من خلال بطل الفيلم محمد هنيدى الذي جسد شخصية "بلية" الذي كان يمتلك ورشة لإصلاح السيارات ونجح أيضا في انتشال عدد من الأطفال المشردين للعمل معه في الورشة وتغيير حياتهم بشكل إيجابى.