المحطات الرئيسية لنظام "البهائية" العالمي
تشير الديانة البهائية إلى أن الله قد وعد البشرية بإرسال رسل ومظاهر إلهية بشكلٍ متعاقب، بهدف هداية وتوجيـه العالم الإنساني، وقد سُميَّ هذا الوعد في الآثـار البهائية بـ"الميثاق العام" أو "العهد العام" في أحيانٍ أخـرى.
وتقول البهائية إن مظاهر ظهور الرسل والأنبياء واستمرار ظهورهم كان أمرا قديما منذ الأزل، فظهر النبي موسى، بعد أبي الأنبياء إبراهيم، ثم المسيح عيسى بن مريم، واختتم البهائيون قولهم بأن مبشر هذا العصر هو حضرة بهاء الله.
ما هو العهد أو الميثاق؟
يذكر البهائيون أن العهد والميثاق هو اتفاق يلتزم بإجرائه طرفا العقد، فالطرف الإلهي في العهد العام هو وعده بتتابع إرسال مظاهر الظهور والرسل، ويوّضح بهاء الله أن البشر لديهم وظيفتين تجاه الله سبحانه وتعالى الأولى: معرفة المبعوث السماوي وقبوله، والثانية إطاعة المبعوث والعمل على تنفيذ تعاليمه وأحكامه.
وفي كتاب (الأقدس)، الآيـة 1، يقول بهاء الله: "لأنهما معاً لا يقبل أحدهما دون الآخـر"، كما ترى البهائية أنها ليست الدعوة الإلهيـة الأخيرة من أجل الرُقي الروحاني للجنس البشري، وهنا يقول بهاء الله: "لقد أرسل الله تعالى رسله بعد موسى وعيسى عليهما السلام، وسيستمر في ذلك حتى النهاية التي لا نهاية لها..."، حسبما ذُكر في أحد البيانات في كتاب (The World Order of Baha’u’llah) لشوقي أفندي.
وتشير الوثائق البهائية إلى أنه بعد انقضاء مدة لا تقل عن ألف سنة كاملة، سيظهر رسول جديد ليحمل على عاتقه مهمة التطور والرقي للجنس البشري، كما أن الجنس البشري يرتقي ويتطور نحو مرحلة البلوغ الروحاني، وذلك بواسطـة تطوير الطاقات الروحانية الكامنة في الإنسان.
لكل نبي أتباع
طبقا للعقيدة البهائية، فإن لكل رسول سماوي أتباع، وقد وفَّر لأتباعه الذين عرفوا مقامه تلك الوسائل الضرورية، وذلك عن طريق عقد ميثاق بينه وبين الأتباع. وبالتالي فإن كل رسول يقوم بتأسيس هذا العهد تماشيا مع الاحتياجات المتغيرة لعملية تطور ونمو الجنس البشري. وقد سُمي بــ"العهد الخـاص"، لأن وظيفته الأساسية جزء من الميثاق العام.
لماذا يثق البهائيون باتحاد البشـرية؟
يعقد البهائيون أن وحدة العالم هي إرادة الله، كما أن العهد والميثاق يمنح البشر القدرة الروحية على تحقيق وحدة العالم الإنساني. هذه القوة الروحية تساعد على رفع المعناويات والأمل من أجل إزالة التعصبات، ويعطي البشر نظاماً للأحكام والقوانين الإجتماعية، والمؤسسات التي تعمل على أساس المبادئ الروحانية وتربطها بالاحتياجات العملية للإنسان.
في مجموعة ألواح بهاء الله التي نُشرت في بلجيكا بعد كتاب (الأقدس) عام 1980، يُوصى بهاء الله البشر كافة أَنْ يسلكوا مسلكاً يعزّز قيمتهم كبشر فيقول: "يا أهل العالم أوصيكم بما يؤدي إلى ارتفاع مقاماتكم. تمسّكوا بتقوى الله، وتشبّثوا بذيل المعروف"، ونهاهم عن "اللعن والطّعن وما يتكدّر به الإنسان"، وأمرهم بالتمسك بالحق والصدق، وأَنْ يدركوا أن دين الله وُجِد من أجل المحبة والاتحاد، وليس العداوة والاختلاف، وحثهم على احترام أولي الأمر من الملوك والحكام بقوله: "إن مظاهر الحكم ومطالع الأمر المزينين بطراز العدل والإنصاف يلزم على الكل إعانة مثل تلك النفوس"، وأخيرا ناشد الكل بأن يقوموا على "خدمة الأمم وإصلاح العالم".
ويقول البهائيون: إن الإيمان الراسخ بإمكانية تحقيق الوحدة العالمية مدعوما بالإرادة العزيمة تجاه الهدف يُمكن اعتباره من أكثر الصفات الجامعة البهائية، ويعدّ هذا الفرق من أهم الفروق الأساسية بين البهائية والأديان الأخرى.
كما يرون أن هناك أوجه تقارب بين مع الأديان المعروفة وخصوصا السامية منها: الإسلام والمسيحية واليهودية، وبحسب الباحث الأمريكي في علم الاجتماع، وارن واجر، فإن "من بين جميع الأديان المعاصرة التي تدّعي أنها سماوية، فإن الدين البهائي هو الدين الوحيد الذي انفرد بالحديث عن وحدة الجنس البشـري بكل وضوح".
النظام الإداري
يتكون النظام الإداري من أحكام وتعاليم من جهة، ومؤسسات الجامعة البهائية من جهة أخرى، فالنظام الإِداري البهائي ليس إلاّ تعبيرا لما أَبرمه بهاء الله بينه وبين أحبّائه وأتباعه، وقد اعتنى عبد البهاء عناية خاصة بإِيضاح معالم النظام الإِداري الذي ابتدعه بهاء الله، وحدّد في ألواح وصاياه الوظائف والمسؤوليات والسّلطات والصلاحيات المتعلّقة بالمؤسّستين اللتين سوف تخلُفانِهِ، لضمان استمرار وحدة الدين البهائي وصيانة تكافله، وهما "ولاية الأمر"، و"بيت العدل الأعظم"، والتي تعدّ أعلى سلطة تشريعية في النظام الإداري البهائي.
أطلـق بهاء الله لقب "بيوت العدل" على المؤسسات التشريعية الرئيسية لدينـه، ويتكون بيت العدل من 9 أفراد بالغين يُنتخبـون بصفة دورية بواسطة جميع الأفراد البالغين في الجامعة البهائية، وتتأسس بيوت العدل على 3 مستويات: المستوى الأول: محلي ضمن البلديات أو المحافظات. والمستوى الثاني على مستوى مركزي، أما المستوى الثالث عالمي.
وقد عُقدت أول انتخابات لبيت العدل الأعظم عام 1963، وتعدّ سلطة الأحكام والقوانين التي تصدر عن بيت العدل الأعظم لها نفس سلطة وصلاحية النصوص المباركـة، ويرى البهائيون أن قرارات وأحكام بيت العدل معصومة من الخطأ.
أما بخصوص وظائف بيت العدل الأعظم فقد بيّن حضرة عبد البهاء ذلك على النحو التالي: "يجتمع هؤلاء الأعضاء في مكان ويتذاكرون في كل ما وقع فيه الاختلاف، أو في المسائل المبهمة، أو في المسائل غير المنصوصة، وكل ما يقررونه هو كالنّص، وحيث أن بيت العدل هو واضع قوانين المعاملات غير المنصوصة، فهو أيضاً يستطيع نسخ تلك القوانين".
إِنَّ القرارات التي يتخذها بيت العدل الأعظم هي نتيجة المشورة المستفيضة حول كل المسائل المطروحة للبتّ فيها، والمشورة وسيلة استأثرت باهتمام بهاء الله بشكل خاص، فهي أساسية وضرورية بالنسبة لقيام النظام الإِداري، وهي أنجح الطرق لصيانة الوحدة في إدارة شؤون الجامعة البهائية في أنحاء العالم كافة.
لمزيد من التفاصيل اقرأ كتاب: (عبّاس أفندي -في الذكرى المئوية لزيارته إلى مصر 1910-1913)
بقى الميثاق دون أن يمسّه أَي تغيير في النظام الذي حدّده بهاء الله، ووسّع مفاهيمه عبد البهاء، واستمر كالقناة التي تفيض منها أمواج الهداية الإلهيّة، وتمنح المرونة المطلوبة في تسيير الشؤون الإنسانيّة، وهكذا كان الحال في عهد عبد البهاء، ثم في عهد حضرة شوقي أفندي، ومن بعد ذلك في الأعوام التالية منذ انتخاب بيت العدل الأعظم الذي أسّسه بهاء الله وجعله مصدر السلطة العليا والهداية الدائمة، ووصفه عبد البهاء بأنَّه "مرجع كل الأمور".
كيف يتأسس النظـام العالـمي؟
وضع بهاء الله تصوراً لتأسيس النظام العالمي على 3 مراحل متتابعة: أولها الانحلال الاجتماعي، حيث يعتقد البهائيون أن هذه المرحلة قد بدأت وتفاقمت وأن الأزمات التي تحيط بالعالم ستصيب حياة كل فرد كما ذكر شوقي أفندي في توقيعـه "قد أتى اليوم الموعود".
أما المرحلة الثانية فيُمكن ملاحظتها من خلال تحقق السلام الأصغر أو الصلح الأصغر، وهي مرحلة التوقف عن الحروب، وأخيراً المظهر الرئيسي للسلام الأصغر الذي يقتضي وضع إجراءات للأمن الوقائي لوضع حدّ للحروب بين الدول والشعوب.