سبائك ذهبية وأرواح سوداء فى Black Sea
للغواصات رونق سينمائي خاص، لأنها تتمتع بعنصرين مميزين، يمكن اعتبارهما حجر أساس لبناء الكثير والكثير دراميا وبصريا وصوتيا:
1 - رهاب الأماكن المغلقة أو Claustrophobia وهو الخوف الناتج عن التواجد في مكان ضيق أو مغلق.
2 - رجال تحت ضغط نفسي، بدون مخرج يكفل لهم الابتعاد عن بعضهم، وما يمكن أن ينتج عن هذا من صراعات ومواجهات ومشاهد أكشن.
كيفين ماكدونالد مخرج فيلم البحر الأسود Black Sea والسيناريست دينيس كيلي، يفهمان أهمية ما سبق، وإلى حد كبير وازن السيناريو بين بناء الشخصيات ومشاهد الإثارة المعتادة.
روبنسون (جود لو) كابتن غواصة في شركة خاصة، يتم تسريحه بعد خدمة 11 سنة، بمكافأة نهاية خدمة زهيدة. الإجراء يشعل لديه الإحساس بالظلم، خصوصا أن زوجته تركته سابقا بسبب طبيعة عمله وغيابه المستمر، وارتبطت برجل ثري مصطحبة ابنهما الوحيد.
وسط هذه الظروف المحبطة يأتي طوق النجاة وتذكرة الثراء من زميل سابق له، يعرف مكان غواصة ألمانية غارقة من مخلفات عهد هتلر، مُحملة بسبائك ذهبية قيمتها ملايين الدولارات، روبنسون يخطط لاستخراج الذهب عن طريق استخدام غواصة روسية عتيقة أخرى، وبمشاركة طاقم نصف إنجليزي نصف روسي.
العرض سهل ويبدو منصف للكل (حصة مساوية لكل رجل يشارك، من إجمالي الذهب الموجود)، لكن سريعا تسوء الأمور، مع الضغط النفسي الناتج عن الطمع لإكمال المهمة واستخراج الذهب رغم كل المخاطر، ويبدأ الشك والخوف بين الموجودين، لأن كل رجل يموت يعني بالضرورة زيادة في حصة الباقين.
تقديم الشخصيات والخط الأساسي تم سريعا وبشكل جيد ومشوق في أول ثلث ساعة تقريبا، لكن للأسف يعقب ذلك ما يقرب من ثلث ساعة أخرى، لا تتحرك فيها الأحداث بشكل جيد أو مشوق، قبل أن يبدأ النصف الأخير الأجود.
ماكدونالد قدير عادة في بناء جو الضغط النفسي، وهو ما يتضح من أول أفلامه الروائية وأشهرها حتى الآن The Last King of Scotland ، لكنه هنا يستغرق وقت أطول نسبيا للوصول لهذه المرحلة، على الرغم من أن طبيعة المكان والقصة والشخصيات تسمح بسرعة أكبر في التدافع الدرامي.
جود لو ينقذ الموقف نسبيا في دور مختلف عما يقدمه عادة، ويشاركه طاقم جيد في الأدوار ثانية، لكن توقعت ما هو أفضل من السيناريست دينيس كيلي في أول أعماله السينمائية، بالنظر الى الإشادة النقدية والجماهيرية الواسعة التي نالها بفضل مسلسله Utopia المعروض مؤخرا.
مشاهد قلب الغواصة جيدة إجمالا، وتضفي الإحساس الخانق للمكان، رغم وجود إضاءة زاعقة غير منطقية في بعضها، لكن لا يوجد تجديد بصري يذكر. والأفضل منها مشاهد التصوير تحت الماء، الأكثر تشويقا وحرفية كتابة وتنفيذا.
وكعادة أفلام الغواصات والتصوير تحت الماء، تحتل المؤثرات الصوتية والمزج الصوتي أهمية خاصة، وكلاهما هنا متقن بالفعل. ويزداد شريط الصوت جودة بفضل موسيقى آيان إشكيري الموترة.
لكن رغم كل ما استفاده الفيلم من مزايا بفضل اختيار غواصة كموقع أحداث، يظل في النهاية ضحية لهذا الاختيار، الذي فرض مقارنة مع كلاسيكيات تفوقه جودة بمراحل. لا يوجد هنا توظيف مميز للمكان وتصاعد درامي مشوق بشخصيات ذات مصداقية عالية، على غرار تحفة ولفجانج بيترسن Das Boot 1981 الذي لا يزال الأفضل وسط هذه القائمة من وجهة نظري.
لا توجد أيضا شخصية مركزية مُحيرة ذات حضور بسطوة ريميوس (شين كونري) في فيلم صيد أكتوبر الأحمر The Hunt for Red October 1990 للمخرج جون ماكتيرنان، أو بناء مختلف غير معتاد للشخصيات على غرار فيلم المخرجة القديرة كاثرين بيجلو 2002 K-19: The Widowmaker الذي لم ينل حقه وقت عرضه للأسف بسبب سوء اختيار البطل.
Black Sea يغرق سريعا إذا قارناه بأي مما سبق، لكن على المستوى العام، قد تحتوي المغامرة تحت الماء مع الأبطال، على أكسجين منعش ومختلف نسبيا على مدار ساعتين، مقارنة بقوالب الإثارة الهوليوودية المعتادة فوق الأرض.
باختصار:
مغامرة لا بأس بها تحت البحر على مدار ساعتين، خصوصا اذا كنت من المصابين بالـ Claustrophobia أو من عشاق جود لو.