فصل الفراق
عزيزي
كنت قد كتبتُ لك يومًا أن الكتابة ليست بالضرورة فعل حب كما أدندن. الكتابة أولًا وأخيرًا فعل تسجيل. نسجل بها الحدث، ونوثق بها المشاعر. كما أن الكتابة أحيانًا فعل مواجهة مؤجلة، نُطفئ بها وفيها نار الغضب. والكتابة، دائمًا، فعل وصل وتواصل، نوصل بها ما كان بما سيكون، ونتواصل بها حين يخذلنا غيرها من أسباب التواصل.
وكنت قد كتبتك لك أيضًا فيما كتبت عن رغبتي في الكتابة عنك وإليك ولكني لم أكتب. لم أكتب لأني خشيت تبعات الكتابة، فالكتابة أيضًا فعل تعود. وخشيت أن أتعود الكتابة إليك أو تتعود القراءة، أو أن نتعود الكتابة والقراءة. خشيت تبعات التعود من موت أو موت. موت بالإشباع أو موت بالانسحاب.
خشيت أن "تقتلنا" الكتابة. ولكن، يا عزيزي، الخشية والحذر لا يمنعان القدر، فلم تقتلنا الكتابة وقتلنا ما دونها. وقتلنا حدث يستحق التسجيل والتوثيق. ولذلك أصبح من الواجب علي أن أكتب. أكتب عنك، وعنا وعن ما أدى لقتلنا في النهاية. سأكتب لأفسر ما غمض عليك فهمه في حينها.
سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ..
أما الفتور، فلم يكن فتورًا أصيلًا. جاءت بدايتنا كعادة البدايات ملتهبة. وكاد لهيبها ليحرقنا لولا ميراث من حكمة التجربة. وكان من الحكمة قتل الفضول وادعاء عكسه. وكان من الحكمة تجاهل كيمياء التوافق. كان من الحكمة إطفاء لهيب البداية. فمثلك ومثلي لم يُخلقا لمشاركة الرحلات الطويلة. وكنا، لولا ميراث من حكمة التجربة لوقعنا في فخ التحدي. ولكننا حكماء مجربون، فكان الفتور قرار الحكمة رغم أنه لم يعكس أبدًا مشاعر أصيلة.
أما الغيرة، فلم تكن أبدًا دليل تعلق، أو حتى طريقة "ضغط" من أجل تطوير ما هو قائم (أو بالأحرى غير قائم) بيننا. لم تكن الغيرة أبدًا نابعة من أمل. بل كانت دائمًا نابعة من الإحباط. إحباط ميراث التجارب، وإحباط ادعاء الفتور، وإحباط مشروع الهزيمة المعلق. كانت الغيرة دليل انعدام الأمل رغم رغبتي الأصيلة في خلقه.
أما "التعارك"، فكان نابعًا من رغبة مستمرة في التواصل. لم يكن التواصل دون التأكيد على نقاط الاختلاف ليساعد على الاحتفاظ بالعلاقة في دوائر الأمان. كان التعارك حلا آمنا للتواصل المستمر دون خلق لأمل ولا إشعال للهيب بُذل مجهود كبير لإطفائه.
عزيزي، كنت قد كتبت لك مرارًا عن عبثية هذه الحياة. كما كتبت لك مرارًا أنه رغم عبثيتها إلا إنها أحيانًا ما تظهر منطقية مفاجئة/ ومنها لقاؤنا. والذي كان على عبثيته منطقيًا. فقد جعل لقاءنا مما قبله هينًا مقبولًا. فسر لقاؤنا ما غمض من الحياة دونه. كان لقاؤنا إشارة، كنت أنت إشارة تفسر كل "من" قبلك. وكم تمنيت لو كنت لك إشارة تفسر لك ما غمض قبلي.
عزيزي، كما كان لقاؤنا عبثيًا دون مقدمات، يجب أن يكون الفراق عبثيًا دون مقدمات.
هَ?ذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ..