التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 12:18 ص , بتوقيت القاهرة

خيانة هَوَى

كتب وليام شكسبير ثلاث مسرحيات مستوحاة من التاريخ الروماني. الأولى "كوريولانوس"، وهي كما يبدو من الاسم غير ذائعة الصيت للقارئ العربي. والثانية "يوليوس قيصر" والثالثة "أنطونيو وكليوباترا". اعتمد شكسبير في كتابته للمسرحيات الثلاث على ترجمة سير توماس نورث لما أورده بلوتارك عن سير حياة عظماء الإغريق والرومان.


في حين تدور أحداث المسرحية الأولى "كوريولانوس" في أواخر عهد "المملكة الرومانية" ولحظات ميلاد "الجمهورية"،  تدور أحداث المسرحيتين الثانية "يوليوس قيصر" والثالثة "أنطونيو وكليوباترا" في لحظات نهاية ذات الجمهورية. يُمكن النظر إليهما على أنهما "حدوتة" واحدة ليست فقط عن روما ولكن عن الحياة ككل.


المسرحيتان فيهما دروس سياسية مكثفة، ربما لإسقاطات شكسبير على الحالة السياسية في عصره أو ربما لأن تاريخ ميلاد وموت الممالك والإمبراطوريات في الخلفية. لكن الدروس الأهم كانت عن الحب والحياة كعادة أعمال شكسبير.
في حين لم تكن "يوليوس قيصر"  قصة عن الخيانة. كانت الخيانة حاضرة وبشدة في "أنطونيو وكليوباترا".


لم تكن الخيانة فيها هي شبح التساؤل عن أسباب انسحاب كليوباترا من معركة أكتيوم ولا أتباع أنطونيو المتخليين عن قائدهم في اللحظات العصيبة. بل كانت الخيانة هي خيانة أنطونيو لأنطونيو قبل أن يخونه غيره.


كيف خان أنطونيو أنطونيو؟


يقدم لنا شكسبير أنطونيو أولًا في "يوليوس قيصر" كتابع مخلص لقيصر وقائد عسكري بارع. وحين يقرر جمع من أعضاء مجلس الشيوخ قتل قيصر، يقترح كاسياس أن يقتلوا أنطونيو مع قيصر خوفًا من إخلاصه له. يقابل بروتس هذا الاقتراح بالرفض لسببين، أحدهما الحفاظ على صورة "عدالة القضية" بعدم الانجراف في قتل أتباع قيصر فيبدو أن القتل تم للتخلص من مجموعة نفوذ وليس من أجل "حرية روما". أما السبب الثاني والأهم، أن أنطونيو رجل "لعبي" ولن يشكل أي خطورة.


وكان كلا الرجلين على صواب. فأنطونيو كان تابعا مخلصًا لقيصر يجب التخلص منه رغم أنه كان مشهورًا في حياته الصاخبة بالانغماس في اللذة. وكان أن تغلب أنطونيو القائد العسكري البارع والتابع المخلص لقيصر على أنطونيو محب اللهو وقلب سحر قتلة قيصر عليهم. خطب أنطونيو في جماهير روما في جنازة قيصر، وقلب ميزان القوى لصالحه، ورغم أن وريث قيصر الشرعي (أوكاتفيوس قيصر) عاد لروما ليزعزع ما اكتسبه أنطونيو من مكاسب، إلا أن القائد العسكري البارع انتصر مرة أخرى وآل إليه حكم ثلث العالم.


لكن "الحدوتة" لا تنتهي بهذه النهاية السعيدة. فعلى طول طريق الانتصارات لم يترك أنطونيو لهوه. ورغم أن لهوه "قرار شخصي"، إلا أن حياة "القائد" الشخصية ليست ملكه بالكامل. أثار لهو أنطونيو حفيظة الكثيرين. ورغم سحره في اكتساب الصداقات إلا أن القاعدة الخالدة تقول إن الصدقات تذهب وتجيء لكن العداوات تتراكم.


ازداد انغماس أنطونيو في اللهو بعلاقته بكليوباترا ملكة مصر، كما ازدادت العدوات تجاهه بسبب نفس العلاقة. كانت علاقة أنطونيو بكليوباترا تزيد من الخلاف بينه وبين أوكتافيوس قيصر. فكان أن اقترح شريكهم الثالث في الحكم (ليبيدوس) أن يزيلا الخلافات بأن يتزوج أنطونيو من أخت أوكتافيوس.


كان كل ما على انطونيو فعله للاحتفاظ بحكم ثلث العالم، أو ربما نصفه، لأطول فترة ممكنة هو أن يخلص لذلك العهد وتلك الزيجة. ولكن "هوى" أنطونيو  بـ"هوى" كليوباترا.


خان أنطونيو عهد أوكتافيوس قيصر بخيانته لزوجته مما أعطى قيصر حجة كان يبحث عنها ويتمناها ليتخلص من غريمه وشريكه في حكم العالم. أما الباقي فتاريخ .. انتهى أنطونيو بسيفه خوفًا من عار يلاحقه وحزنًا على عشيقة تلاعبت به حتى النهاية.


خان أنطونيو أنطونيو باتباعه هواه. فإنما سُمي الهوى هوى لأنه يهوى بصاحبه!