أوسكار 2015 وسباق المؤثرات البصرية
من بين كل فروع الجوائز السينمائية، أعتبر المؤثرات والخدع البصرية الجائزة التي ينالها إجحاف وإهمال غير عادي على المستوى الإعلامي. النظرة السطحية عادة لهذا الفرع، تعتبره مجرد جانب تقني غير فني، لكن في الحقيقة كل التقنيات مجرد أدوات، وحس وبراعة وذكاء الفنان فقط، هما ما يجعل للنتيجة النهائية قيمتها وأهميتها.
المؤثرات البصرية أيضا هى العنصر الذي يفتح آفاق الخيال والقصص للقمة. طالما لا يوجد سقف لما يمكننا أن نصنعه على الشاشات، لا يوجد إذا سقف لخيال السيناريست والمخرج. منذ 20 عاما فقط، كان من المستحيل أن نصنع فيلما عن قصة مثل Life Of Pi، ونتحكم في سلوكيات نِمر على قارب في الماء، والآن صار هذا ممكنا.
قطعت السينما شوطا طويلا مع المؤثرات البصرية، ابتداء من عصور النماذج المجسمة المصغرة، وتركيب صورتين في صورة واحدة، وصولا إلى عصر الكمبيوتر والجرافيك.
حتى مع ثبات الأداة (الكمبيوتر مثلا في حالة الجرافيك)، يتطور الأداء باستمرار، بفضل تطور الأداة (سوفتوير وهاردوير في حالة الجرافيك)، بالإضافة إلى تراكم الخبرات البشرية نفسها. وقارن مثلا بين نسخة هوليوود 2014 ونسخة 1998 لـ جودزيلا، وستعرف إلى أي مدى قفزت الطفرات بهوليوود، بينما يكتفي باقي المنافسين بالمشاهدة والحسرة (والتسفية أحيانا)!
على عكس ما يظن الغالبية، فالمؤثرات البصرية في الحقيقة موجودة في أغلب الأفلام والأعمال حاليا بدرجات مختلفة، وليست حكرا على أفلام الفنتازيا والخيال العلمي والوحوش وخلافه.
كإثبات، شاهد هذا الفيديو عن بعض الخدع والاضافات البصرية في فيلم الإثارة Gone Girl الذي أخرجه ديفيد فينشر، لتعرف دور المؤثرات البصرية في هوليوود الذي لا يلاحظه الغالبية. ولتعرف أيضا كيف وفرت هذه التقنيات ملايين وملايين، كان سيتم إنفاقها في بناء مبان، أو جدول تصوير أطول.
ننتقل إلى الـ 5 أفلام المرشحة للجائزة 2015 :
1 - Interstellar
2 - Dawn of the Planet of the Apes
3 - Guardians of the Galaxy
4 - X-Men: Days of Future Past
5 - Captain America: The Winter Soldier
المنافسة على الفوز محصورة بين أول 2 فقط من وجهة نظري، ويمكن القول إن Interstellar هو الوحيد في القائمة، الذي يبتعد نسبيا عن ألاعيب الكمبيوتر والجرافيك، ويلجأ لتكنيك مختلف أغلب الوقت، باستخدام نماذج مجسمة وقطع ميكانيكية متحركة أمام الكاميرات. كريستوفر نولان يفضل هذه الطريقة لأنها توفر صورة أكثر صدقا، وقدم بها سابقا شيئا مختلفا في Inception استحق عنه فريق العمل وقتها، الفوز بالأوسكار.
نتحدث هنا طبعا عن مخرج نجم شباك، يعمل بميزانيات جبارة تقترب وتتجاوز أحيانا الـ 200 مليون دولار، ويستطيع بناء ديكورات ومواقع تصوير على مساحات تتجاوز ملاعب كرة، أو صناعة هيكل كامل لمركبة فضاء.
في المقابل يلجأ Dawn of the Planet of the Apes لتقنية مهمة جدا، أراها شخصيا أحد أهم مفاتيح سينما الغد، وهى الـ Motion capture أو "لاقط الحركة". وتسمى أحيانا أيضا performance capture.
في هذه التقنية يتم وضع نقاط بلون بارز وواضح على جسم ووجه الممثل، الذي يقوم بدور كائن ما خيالي عادة (كينج كونج - تنين - شجرة تتحدث - كائن فضائي.. الخ)، مع كاميرا أساسية مثبتة بذراع على وجه الممثل، بالإضافة إلى الكاميرات العادية المستخدمة لتصوير المشهد ككل.
بعد التصوير يتم تحميل هذه المشاهد للكمبيوتر، لترسم هذه النقاط والخطوط البارزة، الخط الأساسي الذي يوفر لسحرة الجرافيك التعبيرات التمثيلية المطلوبة، والحركة الفيزيائية المنطقية للشخصيات، وتصبح اللعبة كلها في إعادة تغيير ورسم التفاصيل الأخرى (القشرة).
بدأت التقنية منذ عقود لإضافة حركة فيزيائية مقنعة لجسم شخصيات الفيديو جيم، بدلا من الشكل العبثي غير المقنع، ثم تطورت وأصبحت الآن سلاحا أساسيا في ترسانة هوليوود. أشهر الشخصيات التي تم خلقها بهذا الشكل Gollum في ثلاثية The Lord of the Rings أوائل الألفية، قبل أن يقفز المخرج جيمس كاميرون بالتقنية عشرات وعشرات السنوات إلى الأمام، بفيلمه الشهير Avatar عام 2009.
أهمية التقنية مستقبلا، لن تتعلق بتنين أو كائن فضائي فقط. يوما ما سيمكننا مثلا الاستعانة بـ ليوناردو دي كابريو لأداء دور بيل كلينتون، بدون الحاجة لأي ماكياج!.. وسنرى فعلا على الشاشة "بيل كلينتون" بشحمه ولحمه.
ويقال إن شركة يونيفرسال لجأت لهذه التقنية، في فيلم Furious 7 الذي سنشاهده قريبا، لصناعة مشاهد للممثل بول ووكر الذي مات قبل استكمال التصوير.
على كل الأهم من قراءة ما سبق، مشاهدة هذا الفيديو القصير المبهر الذي يعرض كل مشهد (قبل - بعد) استخدام التقنية:
عام 2001 استخدم المخرج تيم بيرتون الماكياج على وجوة البشر، لصناعة قرود فيلمه Planet of the Apes ، ويمكنك طبعا أن تلاحظ الفرق. الآن لدينا فعلا قرود حقيقية فعلا على الشاشة، والفضل يعود للتكنولوجي. الآن يبدو 2001 كعصر بدائي في السينما!
التقنية مستخدمة أيضا في Guardians of the Galaxy كما ترى، وان كان التحدي هنا أقل صعوبة نسبيا، بسبب عدم اندماج وتفاعل عشرات الشخصيات بكثرة في مشهد واحد، وهو ما يحدث باستمرار في Dawn of the Planet of the Apes.
من وجهة نظري يبدو فريق "نولان" هنا، كمحارب يحاول يعرقل مسيرة الزمن الحتمية، والسبب يعود الى حقيقة اقتصادية حتمية بسيطة، وهى أن الجرافيك سيصبح يوما ما أرخص، من أى تقنية أخرى، والطريقة الوحيدة التي سيصبح بها أرخص سريعا فعلا، تكمن في استثمار أكبر فيه، لتصبح الخبرات البشرية والأدوات والتقنيات بمرور الوقت متوفرة وعادية.
رغم هذا أتمنى فوز Interstellar لسبب برجماتي مهم، يكمن في اعادة النظر والتقدير لهذه الطريقة في صناعة الصورة. فقط عندما نرى ونُقدر ونكافئ الألاعيب الفيزيائية، وما هو طبيعي ومجسم فعلا أمام الكاميرات، ونُفضلهم على ألاعيب الكمبيوتر، سنرفع مستوى التحدي لخبراء الجرافيك، للحاق بهم ولإتقان الجرافيك لدرجة يستحيل معها التمييز.
أعترف أيضا أنني معجب جدا بهذا الشكل في التنفيذ، لأنه وفر ببساطة مذاقا أصيلا مبهرا للفيلم يختلف عن أغلب ما نشاهده حاليا. ومشهد التجسيم الفيزيائي للزمان والمكان، من أقوى ما شاهدت على شاشات الأيمكس، ومن أفضل حالات التوظيف للمؤثرات والخدع البصرية.
السنوات الأخيرة شهدت اكتساح الجرافيك للجائزة، والتطور فيه يسير بسرعة البرق بالفعل، لذا لن تكون مهمة Interstellar في الفوز بنفس سهولة مهمة Inception، مع وجود Dawn of the Planet of the Apes الذي يتمتع فعلا بمستوى إتقان يستحق التقدير.
بصفة عامة يملك Interstellar ميزة تصويتية، تكمن في كونه الفيلم الأفضل المرشح لـ 5 فروع، ولأن باقي العناصر غير مضمونة تصويتيا، قد يُفضل أغلب أعضاء الأكاديمية، تكريمه بمنحه الجائزة المتميزة والمختلف فيها إلى أقصى درجة.
الأقرب للفوز بالجائزة: Dawn of the Planet of the Apes
ربما: Interstellar
ترتيبي الشخصي للمُرشحين الـ 5، من الأجدر بالفوز للأقل:
1 - Interstellar
2 - Dawn of the Planet of the Apes
3 - Guardians of the Galaxy
4 - X-Men: Days of Future Past
5 - Captain America: The Winter Soldier