التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 01:27 م , بتوقيت القاهرة

اليونسكو تحيي يوم 21 فبراير اليوم الدولي للغة الأم

تحيي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة " اليونسكو " يوم السبت القادم اليوم الدولي للغة الأم 2015 تحت شعار " التعليم الجامع عبر اللغة وباستخدامها فللغات وزن "، حيث يهدف الاحتفال هذا العام إلي تقديم الدليل على أن جودة التعليم اللغوي (ولا سيما التعليم المتعدد اللغات) وسيلة فعالة لضمان الاندماج في التعليم ومن خلاله ولإعداد مواطنين عالميين. 


فإذا أتيح هذا التعليم بالطريقة المناسبة، بإمكانه أن يزود الدارسين بالمهارات اللغوية التي يحتاجون إليها للمساهمة في المجتمع بفعالية من أجل بناء عالم أكثر سلاماً وشمولاً واستدامةً. كما يوفر تعليم اللغات إطاراً لنقل القيم والمعارف التي تعزز الشعور بالانتماء إلى المجتمعين المحلي والعالمي والتي تجسد ركيزة الالتزام المدني. 


وكانت اليونسكو قد أعلنت اليوم الدولي للغة الأم في نوفمبر عام 1999، ويحتفل بهذه المناسبة في 21 فبراير من كل سنة في شتى أنحاء العالم. ويرمي هذا الاحتفال إلى تعزيز التنوع اللغوي والتعليم المتعدد اللغات، وتسليط الضوء على ضرورة زيادة الوعي بأهمية التعليم القائم على اللغة الأم. 


ويجسد التنوع اللغوي والثقافي القيم العالمية التي تسهم في تدعيم أسس الوئام والتلاحم في المجتمعات. وفي مايو عام 2007 أهابت الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها 266/61، بالدول الأعضاء التشجيع على المحافظة على جميع اللغات التي تستخدمها شعوب العالم وحمايتها. وأعلنت الجمعية العامة، في نفس القرار سنة 2008 باعتبارها سنة دولية للغات لتعزيز الوحدة في إطار التنوع ولتعزيز التفاهم الدولي من تعدد اللغات والتعدد الثقافي. 


وأشارت إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو في رسالتها بهذه المناسبة إلي أنه في عام 2015 يحتفل بالذكري السنوية 15 لليوم الدولي للغة الأم، حيث تمثل هذه السنة منعطفاً بالنسبة إلي المجتمع الدولي إذ إنها الموعد النهائي المحدد لإنجاز الأهداف الإنمائية للألفية، وهي السنة التي ستضع فيها البلدان خطة عالمية جديدة للتنمية المستدامة.
 وأضافت بوكوفا لأنه يجب أن تتمحور خطة ما بعد 2015 حوا أولوية النهوض بالتعليم الجيد للجميع أي توسيع نطاق الانتفاع بالتعليم وضمان جودته وشموله، وتعزيز التعليم الموجة نحو تحقيق المواطنة العالمية والتنمية المستدامة. ويمثل التعليم باستخدام اللغة الأم عنصراً أساسياً في المسيرة نحو تحقيق هذه الأهداف بغية تيسير التعلم وتدعيم مهارات القراءة والكتابة والحساب. 


وإن المضي قدماً في هذا المسعي يقتضي تركيزاً أفضل علي تدريب المعلمين، وتعديل البرامج الأكاديمية، وإقامة بيئات ملائمة للتعلم.


وأكدت بوكوفا علي أن اليونسكو تسعي إلي المضي قدماً في تحقيق هذه الأهداف في شتي أنحاء العالم، ففي أمريكا اللاتينية وبالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للطفولة، تقوم اليونسكو بتعزيز التعليم الجامع من خلال نهوج ثنائية اللغة وقائمة علي التفاعل بين الثقافات بغية إثراء التعليم بثقافات الشعوب الأصلية وغير الأصلية علي حد سواء وللأسباب ذاتها يعمل مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في آسيا والمحيط الهادي القائم في بانكوك بتايلاند من أجل تعميق فهم التعلم المتعدد اللغات القائم علي اللغة الأم في كل أرجاء المنطقة وفي غيرها من المناطق، فإن التعليم باللغة الأم يمثل قوة تدفع عجلة التعلم الجيد، كما أنه أساسي لتعزيز التعدد اللغوي واحترام التنوع اللغوي والثقافي في المجتمعات التي تشهد تحولاً سريعاً. 


وذكرت بوكوفا أنه أحرز تقدم هائل منذ عام 2000 وحتي الآن نحو تحقيق أهداف التعليم للجميع أما اليوم فيجب علينا أن نتطلع إلي الإمام من أجل استكمال الأعمال غير المنجزة والتصدي للتحديات الجديدة.



و على الصعيد ذاته يمثل اليوم الدولي للغة الأم مناسبة يتعين علينا جميعاً أن نستغلها لتسليط الضوء علي أهمية اللغة الأم في جميع الجهود التعليمية المبذولة سعياً إلي النهوض بنوعية التعلم وإيصاله إلي الذين لم يصل إليهم بعد.


ويجب علي كل فتاة وفتي وعلي كل امرأة ورجل أن يمتلكوا الأدوات اللازمة للمشاركة التامة في حياة مجتمعاتهم، فإن ذلك حق أساسي من حقوق الإنسان كما أنه قوة تدفع نحو تحقيق الاستدامة في التنمية بجميع أشكالها.


واللغة الأم هي اللغة التي يتعلمها الإنسان منذ ولادته ويستخدم مصطلح اللغة الأولى أحيانًا للتعبير عن اللغة التي يتحدثها الشخص بشكل أفضل "وبالتالي فإن لغته الثانية هي اللغة التي يتحدثها بجودة أقل من لغته الأولى".


 كما يستخدم مصطلح اللغة الأم أو لغة الأم أحياناً للتعبير عن اللغة التي يتعلمها الشخص في المنزل من والديه عادة حسب هذا الاستخدام فإن الأطفال الذين ينشؤون في بيئة ثنائية اللغة يملكون أكثر من لغة أم واحدة وتدعم اليونسكو نهج التعليم بلغتين والنهج المتعددة اللغات المرتكزة على اللغة الأم، وهي النهج التي تمثل عاملاً مهماً للاستيعاب والانتفاع بتعليم جيد النوعية. 


وتبين بحوث أجريت في هذا الشأن أن ذلك يؤثر تأثيراً إيجابياً في عملية التعلم ونتائجها. وتوفر المنظمة أطراً تقنينية للسياسات اللغوية والتعليم، كما أنها تسهم في توفير الممارسات الجيدة في التعليم بلغتين والتعليم المتعدد اللغات وتدريس اللغة الأم.


 ويجسد التنوع اللغوي والثقافي القيم العالمية التي تسهم في تدعيم أسس الوئام والتلاحم في المجتمعات. وتؤدي الدول الأعضاء في المنظمة في شتى أنحاء العالم دوراً رئيسياً في تعزيز اللغات الأم من خلال المؤسسات والرابطات الوطنية التابعة لها. كما تضطلع وسائل الإعلام والمدارس والجامعات والرابطات الثقافية بدور فعال في تعزيز أهداف اليوم الدولي للغة الأم. 


وتشير عبارة "التعليم القائم على اللغة الأم" بوجه عام إلى استخدام اللغات الأم في البيئة المنزلية وفي المدارس. ويستحسن أن ترتكز عملية اكتساب الكفاءات اللغوية وتعلم القراءة والكتابة باللغة الأم على موارد مكتوبة تشمل على سبيل المثال لا الحصر المطبوعات والكتب التمهيدية والكتب المدرسية لأن ذلك يدعم التعبير الشفهي. وتسهم المواد المكتوبة باللغات الأم في تعزيز قدرة الدارسين على اكتساب مهارات القراءة والكتابة وفي بناء أسس متينة للتعلم.


ويوجد في العالم اليوم الكثير من اللغات غير المدونة، علماً بأنه أُحرز بعض التقدم في تطوير قواعد الإملاء. وتجدر الإشارة إلى أن العديد من اللغويين وأخصائي التربية والمعلمين المحليين والدوليين يتعاونون مع شعوب أصلية في أمريكا اللاتينية أو مع قبائل في آسيا مثلاً من أجل تطوير قواعد الإملاء.


ويعتبر استخدام الحواسيب لإنتاج الكتب والتكاليف المنخفضة نسبياً للطباعة الرقمية من الأمور الواعدة فيما يخص إنتاج مواد مكتوبة بتكلفة أقل يمكن لعدد أكبر من الأشخاص أن يشتروها وينتفعوا بها. 


وتشجع اليونسكو التعليم الثنائي اللغة أو المتعدد اللغات القائم على اللغة الأم في سنوات التعليم الأولى نظراً إلى أهمية هذا الأمر في بناء أسس متينة للتعلم، فاستخدام اللغة الأم مع صغار الأطفال في المنزل أو في التعليم ما قبل المدرسي يساعدهم على اكتساب مهارات القراءة والكتابة بلغتهم الأم على نحو سهل، وقد يساعدهم أيضاً على اكتساب لغة ثانية (قد تكون لغة وطنية) في مرحلة لاحقة من تعليمهم المدرسي. وتشير عبارة "التعليم الثنائي اللغة والمتعدد اللغات" وحسب التعريف الذي اعتمدته اليونسكو إلى "استخدام لغتين أو أكثر كوسيلة للتعليم". 


واعتمدت المنظمة في عام 1999 عبارة "التعليم المتعدد للغات" للإشارة إلى استخدام ما لا يقل عن ثلاث لغات في التعليم، هي اللغة الأم، واللغة الإقليمية أو الوطنية، ولغة دولية. 


وتم التشديد على أهمية التعليم باستخدام اللغة الأم في السنوات الأولى من التعليم المدرسي في عدد من الدراسات والبحوث والتقارير منها التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع الذي تصدره اليونسكو كل سنة. والأخصائيون يعلمون تماماً أن اللغات لا تشكل نظماً ثابتة ومغلقة بقدر ما تعد دائماً حصيلة عدد لا يحصى من عمليات الدمج والتفاعل والتأثير التي تعاقبت على مر الزمن فما من لغة بلا تاريخ، ومهما تكن طريقتنا في الكلام مثقفة وسليمة فإنها تقوم على استعارات متعددة تختلط فيها الذاتية والغيرية. والإيتيمولوجيا "علم أصول الكلمات" تذكرنا وبحق بهذا التاريخ المتعدد الأوجه الذي باتت فيه الذاتية ثمرة التنوع والتكامل والذي يمهد السبيل لمستقبل سوف يشهد أشكالاً أخرى من الاتصال والتقارب.


إن الصلة الجدلية التي تربط بين الذاتية والتنوع ليست مجرد موروث من موروثات الماضي. ففي عالم يرتبط فيه العالمي والمحلي ارتباطاً وثيقاً ويجب عليهما أن يتفاعلا فيه بشكل متناسق، بات مفهوما أن اللغة الأم والتعدد اللغوي مفهومان متكاملان بصورة بنيوية. وهكذا يقترن الاتصال في حيز الأسرة أو المجتمع المحلي بممارسة الكلام في المدرسة ومكان العمل والسوق، وعلى صفحات الجرائد، وفي منتديات السياسة، وأماكن العبادة، والمحاكم، والمرافق الإدارية، وفي الأنشطة الترفيهية. والهدف هو أن يعيش الإنسان كل هذه الجوانب من الحياة الاجتماعية بطريقة مناسبة لغوياً.


ومن ثم تسعى اليونسكو إلى تعزيز التعدد اللغوي، ولا سيما في إطار النظام المدرسي وذلك من خلال تشجيع الاعتراف بحق الجميع في اكتساب ثلاثة مستويات من المهارة اللغوية تشمل: اللغة الأم أو اللغة الأولى، واللغة الوطنية، ولغة التعليم. ويقترن تعزيز التنوع اللغوي والثقافي بالتزام بدعم الحوار بين الشعوب والثقافات والحضارات. والواقع أن التنوع والحوار والذاتية والغيرية هي العناصر الأساسية للتكامل الوظيفي الذي ينبغي تحقيقه من خلال التعدد اللغوي بكل جوانبه.
 
وذلك يتطلب تخطيطاً منسقاً يشمل مختلف اللغات المستخدمة على الصعيدين الوطني والإقليمي من خلال اعتماد استراتيجيات أو خطط كفيلة بتعزيز اللغات في كل الأوضاع التي نعيشها.


وعلى الرغم من الأمثلة المتاحة عن الممارسات الجيدة المطبقة في هذا الصدد في مختلف أرجاء العالم، يظل التعدد اللغوي اليوم مثالاً منشوداً أكثر منه حقيقة ملموسة، فقد بات أكثر من 50% من 6000 لغة المستخدمة في العالم والتي تعتبر وسائل لنقل الذاكرة الجماعية والتراث غير المادي مهددة بالاندثار، و96% من هذه اللغات لا يستخدمها سوى 4% من سكان العالم. كما يقل عدد اللغات المستخدمة في المدرسة عن ربع مجموع اللغات الموجودة في العالم، وأغلبيتها لا تستخدم إلا بصورة متفرقة. 


أما اللغات التي تعطى لها بالفعل أهمية في نظام التعليم فلا يزيد عددها على بضع مئات، ويقل المستخدم منها في العالم الرقمي عن 100 لغة، ولنأخذ على سبيل المثال إفريقيا فاللغات المستخدمة فيها تشكل ثلث لغات العالم، ومعظم هذه اللغات لا تستخدم على الإطلاق في المدرسة أو الإدارة أو القضاء أو الصحافة العامة بالرغم من أن السكان يتقنونها تماماً نظراً لأنها تشكل وسيلة التعبير التي يستخدمونها في حياتهم اليومية، ولذلك يسعى الاتحاد الإفريقي الذي يعتبر اللغات إحدى الركائز لتحقيق التكامل في هذه القارة ، إلى وضع خطة إقليمية للنهوض باللغات من شأنها أن توفق بين ما هو محلي وما هو عالمي لمصلحة الجميع.


 وهذا النهج القائم على الانفتاح والتكامل بعيداً عن أي فكرة تقتصر على ربط اللغة بالهوية فحسب، هو النهج الذي ينبغي تبنيه وينبغي دعمه بسخاء بهدف ضمان مستقبل قائم على تعدد اللغات والتنوع والاحترام المتبادل.


وفي المقابل نجد كثيرا من الدول تحمي لغتها كما في فرنسا مثلا ، حيث نجد القانون الذي كانت أقرته الجمعية الوطنية الفرنسية والذي يقضي بغرامة مالية على من يستعمل مصطلحات أجنبية في بحوثه أو محاضراته أو مقابلاته الإعلامية مما له مقابل في اللغة الفرنسية وتطور الأمر حيث إنه وبدءاً من أول يناير 2008 طبق قانون فرنسي أكثر حظراً من القانون الأول، وهو الاشتراط على الأجانب الراغبين بالإقامة في فرنسا اجتياز اختبار باللغة الفرنسية والقيم الفرنسية، وهو ما دعا البعض إلي المطالبة بأن نستثمر وجود العمالة الأجنبية في بلدان الخليج العربية لتعليم اللغة العربية ونشرها في العالم، ولن يكلف ذلك سوى أن نشترط في الوافدين معرفة حد أدنى من اللغة العربية يمكنهم من التواصل إلى درجة ما مع المجتمع، وعندها سوف تقوم شركات استقدام العمالة بتدبر الأمر وإقامة دورات للوافدين في بلدهم الأصلي أو بلد العمل.


وبين هذا وذاك يبقى الاحتفال باليوم العالمي للغة الأم احتفالا دوليا له هدف نبيل إن أحسن استخدامه للحفاظ علي تلك اللغات المعرضة للاندثار بما يحقق التواصل بين الأجيال من ناحية وبين من يتحدثون بلغات مختلفة من ناحية أخرى.


وتعتبر اليونسكو أن "التعليم المناسب للغات" يؤدي دوراً جوهرياً في تزويد الدارسين بالقدرات اللازمة للاستفادة من التعليم الجيد، والتعلّم مدى الحياة، والانتفاع بالمعلومات. ويصبح ذلك ممكناً عندما يتوافر نهج لتعليم اللغات يعزز استخدام ما لا يقل عن 3 لغات، على أن تكون إحداها اللغة الأم أو اللغة الأولى للدارسين.



ويمكن أيضاً اعتبار تعليم اللغات وسيلةً تضمن مشاركة الدارسين في إحداث التغيير على الصعيدين المحلي والعالمي بوصفهم مواطنين عالميين.